وسط حالة من الترقب في الأوساط الرياضية الإسبانية والعالمية، اقترب تشابي ألونسو، أحد رموز كرة القدم الحديثة، من تولي القيادة الفنية لفريق ريال مدريد الإسباني، خلفًا للمدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي. ويأتي هذا التغيير المرتقب بعد فترة من النجاحات التي حققها أنشيلوتي مع النادي الملكي، وفي إطار خطة الإدارة الفنية لإعادة بناء الفريق وقيادته نحو عهد جديد من البطولات. ولا شك أن اختيار تشابي ألونسو لهذا المنصب يعكس رؤية واضحة من إدارة ريال مدريد بالاعتماد على مدرب شاب يعرف جيدًا تفاصيل النادي من الداخل، ويمتلك شخصية قيادية نجحت في إحداث تحول كبير في الأندية التي دربها خلال السنوات الماضية.
تشابي ألونسو ليس غريبًا عن ريال مدريد، فقد لعب للفريق بين عامي 2009 و2014، وكان جزءًا من الجيل الذهبي الذي تُوج بدوري أبطال أوروبا، ويُعتبر من اللاعبين الذين تركوا بصمة واضحة في مركز خط الوسط لما يمتلكه من رؤية، دقة تمرير، وقدرة على قراءة الملعب. الآن يعود إلى الفريق من بوابة التدريب، محمّلاً بتجربة متميزة مع باير ليفركوزن الألماني، حيث حقق إنجازات لافتة في فترة قصيرة، أبرزها التتويج بلقب الدوري الألماني دون أي خسارة، وهو إنجاز فريد من نوعه.
ولد تشابي ألونسو في 25 نوفمبر 1981 بمدينة تولوسا في إقليم الباسك بإسبانيا. نشأ في بيئة كروية، فوالده بيركو ألونسو كان لاعبًا شهيرًا في ريال سوسيداد وبرشلونة، وكذلك منتخب إسبانيا. بدأ مشواره الاحترافي في نادي ريال سوسيداد قبل أن ينتقل إلى ليفربول الإنجليزي، حيث لمع اسمه دوليًا، ثم انتقل إلى ريال مدريد عام 2009 ومنه إلى بايرن ميونيخ الألماني، الذي اختتم فيه مسيرته كلاعب.
على المستوى الدولي، خاض ألونسو أكثر من 100 مباراة مع منتخب إسبانيا، وكان أحد العناصر الأساسية في الفترة الذهبية التي تُوج فيها الماتادور بكأس العالم 2010 وبطولتي أمم أوروبا 2008 و2012. اعتزل اللعب عام 2017، وبدأ بعد ذلك مسيرته التدريبية من بوابة أكاديمية ريال مدريد.
بدأ ألونسو مسيرته كمدرب في فرق الناشئين لريال مدريد، حيث أشرف على فرق الشباب لفترة قصيرة، قبل أن ينتقل إلى تدريب فريق ريال سوسيداد ب (الفريق الرديف) في 2019. حقق مع الفريق نتائج مميزة وصعد به إلى الدرجة الثانية الإسبانية، ما أثار اهتمام الأندية الأوروبية به.
في عام 2022، تولى قيادة نادي باير ليفركوزن الألماني، الذي كان يعاني وقتها من تراجع في النتائج. لكن ألونسو استطاع خلال موسمين فقط أن يقلب الموازين ويحوّل الفريق إلى أحد أقوى الفرق في البوندسليغا، ونجح في التتويج بلقب الدوري الألماني في موسم 2024/2025 دون أي خسارة، وهو إنجاز تاريخي في ألمانيا. كما وصل بالفريق إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي، ما أكد على إمكانياته الفنية الكبيرة وشخصيته القيادية.
تتعدد الأسباب التي دفعت إدارة ريال مدريد لاختيار تشابي ألونسو كمدرب للفريق الأول. أولًا، يمتلك ألونسو خلفية ممتازة عن طبيعة النادي، إذ لعب فيه لعدة مواسم ويدرك حجم الضغوط والتوقعات المرتفعة من الجماهير والإدارة. ثانيًا، أثبت نجاحًا لافتًا في فترة قصيرة جدًا مع باير ليفركوزن، ما يجعله مرشحًا مثاليًا لتولّي مشروع طويل الأمد في النادي الملكي.
ثالثًا، يمتلك ألونسو فلسفة كروية هجومية قائمة على الضغط العالي والاستحواذ، وهو أسلوب يتماشى مع هوية ريال مدريد وطموحات جماهيره. كما يتميز بمرونة تكتيكية واضحة، وقدرته على قراءة المباريات والتعامل مع المواقف الصعبة بثبات واتزان.
رغم الحماس الجماهيري والإداري لاستقدام تشابي ألونسو، فإن المهمة التي تنتظره ليست سهلة بأي حال من الأحوال. فريال مدريد نادٍ لا يعترف إلا بالبطولات، والتطلعات دائمًا مرتفعة.
من أبرز التحديات التي سيواجهها:
خلافة أنشيلوتي: سيخلف ألونسو مدربًا حقق دوري أبطال أوروبا والليغا وكأس العالم للأندية، ما يجعل المقارنة حاضرة دائمًا.
إدارة غرفة الملابس: يضم الفريق أسماء ثقيلة مثل فينيسيوس، بيلينغهام، رودريغو، تيبو كورتوا وغيرهم، وكل لاعب يحتاج لطريقة إدارة مختلفة.
دمج اللاعبين الجدد: مع الصفقات المنتظرة مثل كيليان مبابي وأسماء شابة أخرى، سيكون عليه إيجاد التوازن بين اللاعبين القدامى والجدد.
الضغوط الجماهيرية والإعلامية: أي تراجع في النتائج سيواجه بانتقادات شديدة، خاصة أن ألونسو مدرب شاب.
قوبل الإعلان غير الرسمي عن تعيين ألونسو بترحيب واسع من اللاعبين القدامى والإدارة والجماهير. اعتبر الكثيرون أن تعيينه يمثل نقلة نوعية في الفكر الإداري للنادي، خاصة أنه يجمع بين الخبرة كلاعب في أعلى المستويات وبين الطموح كمدرب شاب يحمل رؤية جديدة.
وسائل الإعلام الإسبانية بدورها تناولت الأمر بإيجابية، حيث اعتبرته خطوة ذكية تضع النادي على طريق التطوير طويل الأمد، خاصة أن ألونسو يُنظر إليه كمدرب صاحب مشروع، وليس مجرد مدرب يبحث عن بطولات قصيرة الأجل.
يتوقع أن يشهد الفريق عدة تغييرات تكتيكية وفنية مع قدوم ألونسو. فأسلوبه في باير ليفركوزن كان يعتمد على البناء من الخلف، والتمرير السريع، والضغط العالي المنظم. كما يميل إلى منح اللاعبين الشباب الفرصة، وهو ما قد يخدم لاعبين صاعدين في ريال مدريد.
من المتوقع أن يطالب بعدد من التعاقدات الجديدة، خاصة في مراكز الوسط والدفاع، لتعزيز فلسفته الفنية. كما قد يعيد هيكلة الجهاز الفني المعاون له، بالاعتماد على عناصر تجمع بين الخبرة والكفاءة.
الفترة المقبلة ستكون حاسمة، ليس فقط في وضع الأسس الفنية للموسم الجديد، بل أيضًا في بناء علاقة ثقة متبادلة مع كل من في النادي. وإذا نجح في ترجمة مشروعه على أرض الواقع، فقد يكون على موعد مع كتابة فصل جديد من المجد في تاريخ ريال مدريد، وهذه المرة كمدرب وليس كلاعب.
ريال مدريد يدخل مرحلة جديدة بقيادة ألونسو، والعالم ينتظر كيف سيكتب هذا النجم السابق سطورًا جديدة في قصة النادي الملكي.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt
