لا تزال قضايا الأسرة والزواج تحتل مكانة مركزية في النقاشات المجتمعية والدينية، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالجوانب المالية المرتبطة بعقد الزواج، وعلى رأسها "الشبكة". وتُعد الشبكة من أبرز مظاهر الخطوبة والزواج في المجتمع المصري، إذ يحرص العريس على تقديمها كنوع من التعبير عن الجدية في الارتباط، وتُعتبر تقليديًا رمزًا للتقدير والمحبة. لكن مع تطور الأحداث وتزايد حالات الانفصال قبل أو بعد الزواج، عاد الجدل من جديد حول الصفة القانونية والشرعية للشبكة: هل تُعتبر هدية لا تُرد؟ أم أنها جزء من المهر يمكن المطالبة باسترجاعها في حال فسخ العلاقة؟
هذا التساؤل لم يعد مقتصرًا على الأحاديث اليومية بين الناس أو منصات التواصل الاجتماعي، بل أصبح موضوعًا تتناوله دار الإفتاء المصرية ومراكز الفتوى الرسمية، خصوصًا في ظل تزايد الاستفسارات المتعلقة بحقوق الطرفين بعد فسخ الخطوبة أو الطلاق. وفي هذا السياق، جاء تصريح أمين الفتوى ليحسم الجدل ويوضح الموقف الشرعي بشكل قاطع، مؤكدًا أن الشبكة ليست مجرد هدية وإنما تدخل ضمن المهر، وبالتالي فهي تُرد في حال فسخ الخطوبة من طرف الفتاة أو في حالات بعينها.
هذا التوضيح يعكس أهمية التفرقة بين العرف والشرع في المسائل المتعلقة بالزواج، فبينما اعتاد المجتمع على اعتبار الشبكة رمزًا معنويًا أو هدية "لا تُسترد"، يأتي الحكم الشرعي ليؤكد أنها جزء من الاتفاق المالي، وبالتالي تخضع لضوابط محددة. وتزداد أهمية هذا الموضوع في ظل ما نشهده من نزاعات أسرية تنشأ بسبب عدم وضوح الحقوق والواجبات بين الطرفين، ما يستدعي العودة إلى المرجعية الدينية لحسم هذه الإشكاليات.
أوضح أمين الفتوى خلال مداخلة رسمية أن الشبكة تُعد جزءًا من المهر الذي يقدمه الرجل للمرأة عند الخطوبة أو قبل الزواج، وبالتالي فإنها ليست هدية بالمعنى المعروف، بل تدخل ضمن المقدم الذي يدفعه العريس ضمن بنود الاتفاق على الزواج. وأكد أن هذا الأمر مستند إلى ما درج عليه العرف في المجتمع، وهو ما يُؤخذ به شرعًا طالما لم يخالف النصوص القطعية.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن استرداد الشبكة يكون واجبًا في حال فسخت الفتاة الخطوبة دون سبب أو برغبتها، مشددًا على أن من حق الرجل في هذه الحالة أن يطالب بها، سواء كانت ذهبًا أو مالًا أو غير ذلك. أما في حال كان الفسخ من جهة الرجل دون مبرر، فإن الفتاة ليست مُلزمة برد الشبكة.
هذا التفصيل في الحكم يضع حدًا لكثير من المنازعات التي تُعرض على المحاكم، ويُعد توجيهًا للأسر التي تختلف حول ما إذا كانت الشبكة هدية خالصة أم مالًا يُرد عند فسخ الارتباط.
لطالما اعتُبرت الشبكة في الثقافة المصرية رمزًا للمحبة والجدية، وهي تعكس التزام الرجل تجاه الفتاة والأسرة، خصوصًا عندما تكون مصحوبة بخطبة رسمية. وغالبًا ما تُقدم في صورة مجموعة من المصوغات الذهبية، تختلف قيمتها حسب الإمكانيات الاجتماعية والاتفاقات المسبقة بين العائلتين.
لكن مع شيوع حالات الانفصال قبل الزواج، أصبحت الشبكة محل جدل كبير، خصوصًا حين تطالب إحدى العائلات باستردادها بعد فسخ الخطوبة، بينما تُصر الأخرى على أنها هدية لا يجوز المطالبة بها. وهذا التضارب بين الأعراف الشعبية والمفاهيم الشرعية غالبًا ما يؤدي إلى توترات قد تصل إلى المحاكم.
ومن هنا تبرز أهمية فتوى أمين الفتوى، التي تؤسس لفهم قانوني شرعي منضبط، يراعي الأعراف لكنه لا يفرط في حقوق الأطراف، ويضع قواعد واضحة يمكن الرجوع إليها عند الخلاف.
من الناحية الفقهية، فإن الفقهاء اختلفوا حول الشبكة بناءً على طبيعتها، فإذا قُدمت كهدية خالصة دون وجود شرط الزواج، فإنها لا تُرد شرعًا. أما إذا قُدمت على سبيل التمهيد لعقد الزواج، أو كجزء من المهر، فإنها تأخذ حكم المهر، وتُرد في حال فسخ الخطبة بدون عقد.
ويؤكد جمهور العلماء أن كل ما يُقدم في إطار نية الزواج يُعتبر من المهر إذا تم الاتفاق عليه ضمنيًا أو صراحة، وهذا يشمل الذهب، الأموال، الأجهزة، وغيرها من التقديمات. ولهذا فإن الأصل في هذه الحالة أن تُرد، إلا إذا وُجد ما يُخالف ذلك بنص واضح بين الطرفين.
أما في حال وقع الطلاق بعد عقد القران، فإن المسألة تختلف وفق توقيت الطلاق، وهل حدث دخول أم لا، ويُرجع حينها للحكم الشرعي المناسب حسب المرحلة التي وصلت إليها العلاقة.
غياب الوعي الديني والشرعي في هذه المسائل الدقيقة يؤدي في الغالب إلى خلافات أسرية حادة، خصوصًا حين تُصر الأطراف على مواقفها بناءً على العرف فقط، دون مراجعة الأحكام الشرعية الصحيحة. وقد تنتج عن هذه الخلافات قطيعة بين العائلات، أو شعور بالظلم من أحد الطرفين، خصوصًا إن خسر أحدهما قيمة الشبكة رغم وقوع الفسخ من الطرف الآخر.
لذا فإن التوعية بأحكام الشبكة، وضرورة الاتفاق على تفاصيلها كتابةً أو شفهيًا منذ البداية، تُعد من الأمور المهمة التي تحفظ الحقوق وتُجنب كثيرًا من المشكلات المستقبلية. كما ينبغي أن تكون هذه التوعية جزءًا من الإرشاد الأسري الذي تُقدمه مؤسسات الدولة ودار الإفتاء قبل الزواج.
الاتفاق المسبق الواضح: يجب أن يتفق الطرفان على وضع الشبكة صراحة، هل هي جزء من المهر أم هدية؟ وينبغي توثيق ذلك في محضر الاتفاق أو أمام الشهود.
عدم المبالغة في قيمتها: كثيرًا ما تؤدي المبالغة في قيمة الشبكة إلى تعقيد الأمور عند الانفصال، ولذلك يُنصح بالتوازن والاعتدال بما يناسب ظروف الطرفين.
اللجوء إلى الحلول الودية عند الخلاف: من الأفضل دائمًا تسوية الخلافات المتعلقة بالشبكة ودّيًا بين العائلتين، دون اللجوء إلى القضاء أو التشهير.
الاطلاع على الأحكام الشرعية: يجب على الشباب والأسر الإلمام بأحكام الزواج الشرعية قبل الخطوبة، حتى لا يقعوا في لبس أو حرج حال وقوع خلاف.
في حال وصول الخلاف إلى المحكمة، فإن القاضي يُرجع إلى القاعدة القانونية التي تعتبر الشبكة جزءًا من المهر إذا لم تكن موصوفة كهدية. ويأخذ في الاعتبار العرف السائد في المجتمع الذي يرى أن الشبكة تُقدم في سياق الزواج.
وغالبًا ما تُحكم القضايا بناءً على من تسبّب في فسخ الخطبة، فإذا كان الفسخ من جهة الفتاة دون سبب مقبول، يُحكم برد الشبكة كاملة. أما إذا كان من جهة الشاب دون مبرر، فقد لا يُحكم له برد شيء منها.
ولهذا فإن من الأفضل تجنب اللجوء إلى المحاكم، والاكتفاء بالحلول العائلية لتفادي المزيد من الخلافات.
في ضوء فتوى أمين الفتوى، يتضح أن الشبكة ليست مجرد "هدية للزينة" أو عادة اجتماعية محضة، بل تُعد – في نظر الشريعة – جزءًا من المهر إذا تم تقديمها بنية الزواج، وبالتالي فهي تخضع لأحكام استرداد المهر عند فسخ الخطوبة.
هذا التوضيح لا يُلغي أهمية العُرف، بل يضع له ضوابط شرعية تُسهم في حماية حقوق الأطراف. وتكمن الحكمة في مراعاة مبدأ "العدل" و"رفع الضرر" في مثل هذه القضايا، بما يضمن عدم تعرض أي طرف لخسارة غير مستحقة.
ويبقى الدور الأهم على المؤسسات الدينية والإعلامية في توعية المجتمع بهذه التفاصيل، حتى لا تتحول فرحة الزواج إلى نزاع مرير بسبب سوء الفهم أو تضارب العُرف مع الفقه. الشبكة إذًا ليست هدية تُنسى، بل عهد مالي يحمل في طياته معاني الالتزام والمسؤولية، يجب التعامل معه بما يليق.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt