في خطوة جديدة ضمن خطة الحكومة المصرية لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، أعلنت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية عن بدء تلقي طلبات مستأجري وحدات الإيجار القديم للحصول على شقق بديلة اعتبارًا من أكتوبر المقبل. وتأتي هذه الخطوة تنفيذًا للتعديلات الأخيرة التي أقرها البرلمان المصري بشأن قانون الإيجارات القديمة، والتي تهدف إلى إعادة التوازن في سوق العقارات، وحل أزمة طال أمدها بين الملاك والمستأجرين، مع مراعاة البعد الاجتماعي والاقتصادي للأسر التي تستفيد من هذه الوحدات منذ عقود طويلة.
القضية المثارة حول الإيجار القديم ليست وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى عقود مضت حينما وُضعت قوانين تحدد العلاقة بين المالك والمستأجر بشكل يضمن حماية المستأجرين من الطرد أو رفع الإيجار بشكل مبالغ فيه. غير أن هذه القوانين، ومع مرور الوقت، تحولت إلى أزمة حقيقية بسبب ثبات القيمة الإيجارية لعشرات السنين في ظل ارتفاع أسعار العقارات بشكل متسارع.
ومن هنا جاء توجه الدولة لوضع آليات انتقالية، أبرزها توفير وحدات بديلة للمستأجرين غير القادرين، وهو ما سيتجسد فعليًا بدءًا من أكتوبر المقبل.
أوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة الإسكان أن فتح باب التقديم للحصول على شقق بديلة لمستأجري الإيجار القديم سيكون بداية من أكتوبر القادم، وذلك وفق ضوابط محددة تضمن وصول الدعم لمستحقيه فقط.
وسيُطلب من المستأجرين الراغبين في الحصول على شقة بديلة تقديم مستندات رسمية تشمل:
عقد الإيجار القديم المُثبت تاريخه.
بطاقة الرقم القومي لجميع أفراد الأسرة المقيمين بالوحدة.
ما يثبت الإقامة الفعلية بالوحدة (مثل فواتير مياه أو كهرباء حديثة).
بيان بالدخل الشهري للأسرة لتحديد الفئة المستحقة.
وأكدت الوزارة أن الشقق البديلة ستكون بمساحات متنوعة تبدأ من 70 مترًا وحتى 120 مترًا، داخل عدد من المدن الجديدة والمشروعات السكنية التابعة للدولة، وذلك بأسعار مناسبة وبقيمة إيجارية عادلة تتماشى مع دخل الأسر.
تسعى الحكومة من خلال هذه المرحلة إلى:
حماية المستأجرين محدودي الدخل: من خلال توفير بدائل سكنية تضمن لهم حياة كريمة بعيدًا عن ضغوط السوق.
إعادة التوازن بين المالك والمستأجر: حيث يحصل المالك على حقه في استرداد وحدته بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
تنظيم سوق العقارات: عبر إنهاء الوضع الاستثنائي للإيجارات القديمة الذي استمر لعقود طويلة.
وتؤكد الحكومة أن المرحلة الانتقالية قد تمتد لعدة سنوات، وخلالها لن يتم طرد أي أسرة من سكنها دون توفير بديل مناسب.
أثار الإعلان عن فتح باب التقديم للحصول على وحدات بديلة ردود فعل واسعة بين المواطنين. فهناك شريحة من المستأجرين رحبت بالخطوة باعتبارها توفر لهم حلاً يضمن الاستقرار السكني، بينما عبر آخرون عن قلقهم من أن تكون الشقق البديلة بعيدة عن أماكن عملهم أو مدارس أبنائهم.
وقال أحد المستأجرين بمنطقة الدقي: "إحنا عايشين هنا من 40 سنة، وارتبطنا بالمكان والشغل حوالينا. خايف إن النقل لمكان جديد يغير حياتنا كلها."
في المقابل، يرى عدد من الملاك أن القرار خطوة إيجابية، إذ يعيد لهم الحق في وحداتهم بعد سنوات طويلة من تقاضي إيجارات زهيدة لا تتناسب مع قيمة العقار.
تولي الدولة أهمية خاصة للبعد الاجتماعي في التعامل مع ملف الإيجار القديم، إذ تشير الإحصاءات إلى أن مئات الآلاف من الأسر المصرية ما زالت تقيم في وحدات إيجار قديم بقيمة إيجارية لا تتجاوز عشرات الجنيهات شهريًا.
وبحسب خبراء الاقتصاد، فإن توفير وحدات بديلة سيخفف العبء عن هذه الأسر، وفي الوقت نفسه يسهم في إعادة تنشيط سوق العقارات عبر تحرير الوحدات المغلقة وإعادة استثمارها.
كما أن الشقق البديلة التي ستُطرح ضمن المشروعات السكنية ستفتح المجال أمام الأسر للاستفادة من الخدمات المتكاملة بتلك المدن، مثل المدارس والمستشفيات والمراكز التجارية، وهو ما يرفع من مستوى المعيشة.
رغم الإيجابيات العديدة للقرار، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تواجه تنفيذه، أبرزها:
القدرة الاستيعابية: هل ستكفي الوحدات المطروحة لتغطية أعداد المستأجرين المستحقين؟
العدالة في التوزيع: كيف ستضمن الحكومة وصول الشقق لمستحقيها الحقيقيين دون استغلال أو تلاعب؟
الموقع الجغرافي: قد يواجه المستأجرون صعوبة في الانتقال إلى مدن جديدة بعيدة عن أماكن عملهم.
وتعمل الحكومة حاليًا على وضع حلول لهذه التحديات من خلال لجان متخصصة، مع إتاحة التظلم لأي مواطن يرى نفسه متضررًا.
يرى خبراء التخطيط العمراني أن هذه الخطوة ضرورية، لكنها تحتاج إلى تنفيذ تدريجي ودقيق. وأوضح الدكتور أحمد الشاذلي، أستاذ التخطيط بجامعة القاهرة، أن "الإيجار القديم يمثل وضعًا شاذًا في السوق المصري، ولا يمكن معالجته بقرارات مفاجئة، بل بآليات انتقالية توازن بين حق المالك وحق المستأجر، وهو ما تحاول الدولة فعله حاليًا."
بينما أشار خبير آخر إلى أن نجاح التجربة سيعتمد على شفافية الحكومة في الإعلان عن الأعداد المستحقة، وحجم الوحدات المتاحة، وآلية التوزيع.
البرلمان المصري لعب دورًا بارزًا في إقرار التعديلات الأخيرة لقانون الإيجار القديم، حيث أكد النواب أن الهدف ليس التضييق على المستأجرين، بل تحقيق العدالة وإنهاء حالة الجمود.
كما شدد البرلمان على أن جميع الإجراءات يجب أن تتم وفق خريطة واضحة، تضمن عدم الإضرار بأي طرف، مع مراقبة تنفيذ الحكومة للمرحلة الانتقالية بدقة.
مع بدء تلقي الطلبات في أكتوبر، ستبدأ مرحلة جديدة في ملف الإيجار القديم. وستتولى وزارة الإسكان مراجعة الطلبات وتحديد المستحقين، على أن يتم تسليم الوحدات تباعًا وفق جداول زمنية محددة.
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة حملات توعية موسعة لتعريف المواطنين بكيفية التقديم والمستندات المطلوبة، إلى جانب تخصيص خطوط ساخنة للرد على الاستفسارات والشكاوى.
خطوة الحكومة بفتح باب تلقي طلبات مستأجري الإيجار القديم للحصول على وحدات بديلة اعتبارًا من أكتوبر المقبل، تعد بداية مسار طويل لإصلاح واحد من أكثر الملفات الشائكة في مصر. فالقرار يوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين، ويضع أساسًا جديدًا لتنظيم سوق العقارات.
ومع ذلك، فإن نجاح التجربة سيعتمد على قدرة الحكومة على مواجهة التحديات المطروحة، وضمان وصول الدعم لمستحقيه الحقيقيين، وتوفير وحدات في مواقع مناسبة تضمن الاستقرار للأسر.
إنها بداية مرحلة جديدة قد تطوي صفحة أزمة استمرت لعقود، وتفتح المجال أمام سوق عقاري أكثر عدالة وتوازنًا، في إطار خطة الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية العمرانية المستدامة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt