يُعد قانون الإيجار القديم من أكثر القوانين المثيرة للجدل في مصر، حيث ترتبط به حياة ملايين الأسر، سواء من الملاك أو المستأجرين. ويشهد هذا القانون بين الحين والآخر تعديلات أو مناقشات في البرلمان حوله، ما يجعله محط اهتمام واسع من الشارع المصري. وفي ظل هذه المتغيرات، برزت تساؤلات كثيرة مؤخرًا حول أحد البنود التي قد تؤدي إلى إخلاء المستأجر من وحدته السكنية فجأة، وهو ما أثار القلق والارتباك بين المواطنين، خصوصًا من يعيشون منذ سنوات طويلة في وحدات إيجار قديم.
هذا البند ليس بجديد على القانون، لكنه بات محل جدل مجددًا بعد مطالبات بتطبيقه بصرامة، وتزايد شكاوى الملاك من سوء الاستخدام أو المخالفة لشروط العقد. فما هو هذا البند؟ وكيف يؤثر على العلاقة بين الطرفين؟ وهل يمكن فعليًا أن يخرج المستأجر من شقته دون سابق إنذار؟ هذا ما نوضحه بالتفصيل في السطور التالية.
تنص بنود قانون الإيجار القديم الحالي، على حالات معينة يمكن فيها للمؤجر أن يستعيد الوحدة المؤجرة من المستأجر، وتُعرف هذه الحالات باسم "حالات الإخلاء القانونية". ومن أبرز هذه الحالات، تغيير النشاط دون موافقة المالك، وهو ما اعتبره القانون إخلالًا جوهريًا بالعقد.
على سبيل المثال، إذا كانت الوحدة السكنية مؤجرة لغرض السكن وتحولت إلى نشاط تجاري مثل حضانة أو عيادة دون إذن المالك، يحق له قانونًا رفع دعوى لإخلاء الشقة. وهذا ما يسمى تغيير وجه استعمال العين المؤجرة.
في القانون رقم 49 لسنة 1977 الخاص بتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وتحديدًا في المادة رقم 18، ذُكر صراحة أنه:
"لا يجوز للمستأجر تغيير استعمال العين المؤجرة إلا بموافقة كتابية صريحة من المالك، وفي حال الإخلال بذلك يُعد العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه".
هذا النص القانوني يمنح المالك سلطة قانونية لاستعادة وحدته حال تغيير النشاط دون إذن، وهو ما يفتح الباب أمام دعاوى الإخلاء المفاجئ، حتى وإن كانت العلاقة بين الطرفين تمتد لعشرات السنين.
شهدت محاكم الإيجارات في الآونة الأخيرة العديد من القضايا التي استند فيها الملاك إلى هذا البند لإخلاء المستأجرين، خاصة بعد اكتشاف أن وحدات سكنية أصبحت تمارس بها أنشطة مثل:
فتح حضانات داخل الشقق السكنية.
تحويل الشقة إلى عيادة طبية أو مركز تجميل.
استغلال الشقة كمقر تجاري لبيع الملابس أو منتجات غذائية.
وهو ما يؤدي تلقائيًا إلى سقوط الحماية القانونية عن المستأجر، وصدور حكم بالإخلاء لصالح المالك.
من أهم الأسئلة المطروحة هو: "هل يتم طرد المستأجر بناءً على مخالفات قديمة أم يجب إثبات المخالفة حديثًا؟". وفقًا للمحامين المختصين بقضايا الإيجار، فإن المخالفة يجب أن تكون قائمة وقت رفع الدعوى، ويجب على المالك تقديم دليل قاطع على تغيير النشاط.
أما إن كان النشاط قد انتهى وعادت الشقة لاستخدامها الأصلي، فإن المحكمة قد ترفض الدعوى باعتبار أن السبب لم يعد قائمًا. لذلك، يلعب الإثبات بالدليل والقرائن دورًا جوهريًا في تحديد مصير الدعوى.
أوضح عدد من الخبراء في القانون العقاري أن تطبيق هذا البند بات أكثر انتشارًا في السنوات الأخيرة، نظرًا لارتفاع أسعار الإيجارات وسعي الملاك إلى استعادة وحداتهم للاستفادة منها.
ويقول البعض إن المستأجرين يجب أن يكونوا على دراية ببنود العقد وأن يتجنبوا أي نشاط غير مصرح به حتى لا يُفاجَأوا بدعوى قضائية. كما يشيرون إلى أهمية التوثيق عند الاتفاق بين الطرفين بشأن تغيير النشاط، لتجنب المنازعات مستقبلًا.
بعيدًا عن تغيير النشاط، توجد حالات أخرى تُمكّن المالك من طرد المستأجر وفقًا لقانون الإيجار القديم، ومنها:
ترك الشقة مغلقة لمدة طويلة دون استخدام.
ثبوت وجود المستأجر في محل إقامة آخر دائم.
وفاة المستأجر الأصلي دون وجود أقارب من الدرجة الأولى يقيمون معه قبل الوفاة بسنة على الأقل.
استخدام الشقة في أعمال منافية للآداب أو غير قانونية.
الإضرار الجسيم بالعين المؤجرة أو التعدي عليها إنشائيًا دون إذن.
كل هذه الحالات تعتبر مخالفة صريحة للقانون، وتؤدي إلى رفع الحماية القانونية عن المستأجر.
هناك مناقشات داخل لجان الإسكان بالبرلمان حول إجراء تعديلات شاملة على قانون الإيجار القديم، تشمل النظر في فترات التعاقد، وأسعار الإيجارات، وتوسيع الحالات التي تتيح للملاك استعادة وحداتهم.
حتى الآن، لم يصدر أي تعديل رسمي بإلغاء هذا البند، بل العكس، تسعى الحكومة إلى تنظيم العلاقة بين الطرفين بشكل عادل، ما قد يؤدي إلى تفعيل البنود القائمة بشكل أكثر صرامة.
يوصي القانونيون المستأجرين بما يلي:
الالتزام بالنشاط المسموح به داخل الشقة.
عدم إجراء أي تعديلات إنشائية أو فنية بدون إذن مكتوب من المالك.
الحفاظ على العين المؤجرة وعدم الإضرار بها.
الاحتفاظ بجميع المستندات التي تثبت استمرار الإقامة.
عدم تأجير الوحدة من الباطن.
يظل قانون الإيجار القديم أحد الملفات المعقدة التي تمس حياة ملايين المصريين. وبين مطالبات الملاك باستعادة حقوقهم، وتمسك المستأجرين بالأمان السكني، تقف بنود القانون حاسمة في الكثير من القضايا. ويُعد بند "تغيير النشاط" أحد أكثر البنود تأثيرًا في هذه العلاقة، إذ يمكنه أن يقلب الموازين ويخرج المستأجر من وحدته دون سابق إنذار.
ولذلك، من المهم لكل من المالك والمستأجر معرفة حقوقه وواجباته بدقة، لأن الجهل بالقانون لا يعفي من المسؤولية، وقد تكون مخالفة بسيطة سببًا في فقدان السكن الذي يمثل استقرارًا لأسرة بأكملها.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt