من حين إلى آخر، تتجدد السجالات في الوسط الرياضي المصري حول رموز الأندية، خصوصًا حين يتعلق الأمر بلاعبين أثاروا جدلًا طويلًا داخل وخارج المستطيل الأخضر، وكانوا دائمًا محورًا للانقسام بين الجماهير والنقاد. ويأتي محمود عبد الرازق شيكابالا، قائد نادي الزمالك، في مقدمة هؤلاء اللاعبين الذين لا يكاد يمر أسبوع دون أن يُثار اسمه في نقاش رياضي أو تصريح إعلامي، سواء بالإشادة أو الانتقاد.
وخلال الأيام الماضية، تصدر اسم شيكابالا المشهد مجددًا، ليس بسبب مباراة أو أداء فني داخل الملعب، بل بسبب تصريح مثير من عمرو الجنايني، الرئيس الأسبق للجنة الخماسية باتحاد الكرة، الذي وصف شيكابالا بأنه "أسطورة الزمالك بلا منازع"، معتبرًا إياه أحد أكثر اللاعبين موهبة وشعبية في تاريخ النادي.
هذا التصريح لم يمر دون رد، بل أثار جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، ودفع المخرج والكاتب محمد العدل، المعروف بانتمائه الزملكاوي وتعليقاته الحادة أحيانًا، للتدخل بتصريح لافت قال فيه: "مش كل حريف أسطورة"، ما فُسر على أنه نقد مباشر لتوصيف الجنايني، وإشارة إلى أن الأسطورة لا تقاس فقط بالمهارة، بل أيضًا بالبطولات، التأثير، والالتزام.
هذا التبادل الكلامي فتح أبوابًا للنقاش بين محبي ومتابعي الكرة المصرية، وأعاد الجدل القديم حول تعريف "الأسطورة" في كرة القدم، وحدود التقدير الذي يمكن منحه للاعب بمكانة شيكابالا.
في تصريحات تلفزيونية حديثة، تحدث عمرو الجنايني، الرئيس الأسبق لاتحاد الكرة وعضو مجلس إدارة الزمالك الأسبق، عن فترة عمله في الشأن الرياضي، متطرقًا إلى عدد من الأسماء التي يعتبرها رموزًا في الكرة المصرية.
وكان لافتًا وصفه لشيكابالا بأنه "أسطورة نادي الزمالك"، مؤكدًا أن اللاعب يتمتع بمواهب استثنائية جعلته محبوبًا لدى الجماهير البيضاء على مدار سنوات طويلة، رغم التحديات التي واجهها خلال مسيرته.
وأشار الجنايني إلى أن شيكابالا مر بمراحل مختلفة في حياته المهنية، بعضها شهد تألقًا لافتًا، وبعضها الآخر تعثرات، لكن في المجمل، يبقى لاعبًا أيقونيًا في ذاكرة النادي وجماهيره، ويستحق الاحترام الكامل.
رد الفعل الأقوى جاء من المخرج محمد العدل، أحد أبرز الأسماء المعروفة بانتمائها الزملكاوي، والذي لطالما عبّر عن آرائه في الشأن الرياضي عبر حساباته الشخصية.
وفي معرض تعليقه على تصريحات الجنايني، كتب العدل: "مش كل حريف أسطورة"، وهي جملة موجزة لكنها أثارت عاصفة من الجدل، إذ اعتبرها البعض تقليلًا من قيمة شيكابالا، بينما رأى آخرون أنها محاولة للفصل بين المهارة الفردية والإنجاز الكروي الحقيقي.
وأضاف العدل في تصريحات لاحقة أن الأسطورة في عرف الرياضة لا تُمنح فقط بناءً على الأداء الجمالي أو المحبة الجماهيرية، بل ترتبط بمعايير مثل عدد البطولات، التأثير التاريخي، والقدرة على التغيير داخل الفريق.
وأكد العدل أنه يحب شيكابالا كلاعب ويفتخر بانتمائه للزمالك، لكنه يرفض "التوصيف المجاني" للأساطير، حسب تعبيره، مشيرًا إلى أن إطلاق هذا اللقب يجب أن يكون مضبوطًا ومرتبطًا بمعايير واضحة.
كالعادة، لم تمر هذه التصريحات دون تفاعل واسع من جماهير الكرة المصرية، خصوصًا جمهور الزمالك، الذي انقسم بدوره إلى فريقين:
الفريق الأول دعم تصريحات الجنايني، واعتبر أن شيكابالا يمثل وجدان الجماهير البيضاء، وأنه يستحق وصف الأسطورة لما قدمه من متعة فنية وولاء للنادي رغم الظروف الصعبة.
الفريق الثاني أيد وجهة نظر محمد العدل، وذهب إلى أن شيكابالا لم يحقق نفس الكم من البطولات أو التأثير الفعلي مقارنة بأسماء مثل حازم إمام أو عبد الحليم علي، معتبرين أن اللقب لا يجب أن يُوزع بشكل عاطفي.
وبين هذا وذاك، رأى البعض أن كليهما على حق، لكن لكلٍّ زاوية مختلفة للنظر إلى الموضوع: فالجنايني تحدث عن رمزية شيكابالا، بينما العدل طالب بتطبيق معايير موضوعية.
يرى كثير من المتابعين أن مصطلح "أسطورة" يتم استخدامه بشكل واسع ومبسط، بينما في الحقيقة، يجب أن يخضع لتقييم دقيق. فأن تكون لاعبًا مهاريًا لا يكفي، بل يتطلب الأمر أن تكون لديك:
مسيرة ممتدة من التألق والثبات.
تأثير قيادي داخل الفريق.
إنجازات وبطولات تُخلد اسمك.
التزام سلوكي ومهني.
لحظات فارقة في تاريخ النادي أو المنتخب.
وبناءً على هذه المعايير، يرى البعض أن شيكابالا لا يمكن وضعه في مصاف الأساطير، بينما يعتبره آخرون أسطورة فنية وجماهيرية حتى إن لم تُترجم مهاراته إلى بطولات كثيرة.
منذ ظهوره الأول في فريق الزمالك الأول، خطف شيكابالا الأنظار بموهبته الفذة وقدرته على المراوغة والتسديد، وكان يُنظر إليه على أنه مشروع "ميسي العرب"، لكن مسيرته لم تأخذ المسار التصاعدي المتوقَّع.
ورغم تحقيقه بطولات محلية مع الزمالك، لم يحترف بشكل مستقر في أوروبا، كما أن مسيرته شابها الكثير من التوقفات والخلافات، سواء مع إدارات فنية أو جماهير منافسة. إلا أنه ظل محبوبًا بشدة لدى جماهير الزمالك، التي تعتبره رمزًا للولاء والانتماء.
هذا السؤال طُرح بقوة على خلفية التصريحات الأخيرة، إذ أشار البعض إلى أن لاعبين مثل أحمد حسام "ميدو" أو محمد صلاح حققوا بطولات أكبر من شيكابالا، ومع ذلك لم يحظوا بنفس الوصف "العاطفي" من جماهير الزمالك.
وفي المقابل، فإن "الأسطورة" في نظر الجمهور ليست فقط إنجازًا، بل شعور، علاقة، لحظات مؤثرة، وقصص ترتبط بالحُب والانتماء. وهنا يأتي اسم شيكابالا الذي ظل وفيًا للزمالك، وقاد الفريق في فترات صعبة، مما جعله أيقونة شعبية، حتى لو لم يكن الأكثر تتويجًا.
الجدل حول شيكابالا ليس جديدًا، ويتجدد كل فترة مع تصريح أو مباراة أو موقف، لأن اللاعب ببساطة يمثل حالة خاصة في الكرة المصرية. فهو ليس مجرد لاعب عادي، بل حالة لها رمزية وشعبية وتأثير إعلامي.
كما أن النقاش حول معنى "الأسطورة" مهم للوسط الرياضي، لأنه يعكس تطور الثقافة الرياضية في مصر، ويؤكد الحاجة إلى تقييم النجوم ليس فقط من منظور العاطفة، بل من خلال معايير احترافية متكاملة.
في نهاية المطاف، فإن تصريحات الجنايني وتعليق العدل تمثل وجهتي نظر مختلفتين حول لاعب مثير للجدل بطبعه. شيكابالا سيظل جزءًا من تاريخ الزمالك، سواء اختلفنا حول توصيفه كأسطورة أم لا، فهو لاعب أثّر، أمتع، وخلق حالة لا تتكرر كثيرًا في الملاعب المصرية.
وقد يكون من الأفضل أن ننظر لهذه النقاشات باعتبارها فرصة لتأمل معاني الكلمات في الرياضة، والتمييز بين النجم، الرمز، الحريف، والأسطورة، فكل وصف له وزنه ومكانه، ويجب استخدامه بدقة تليق بتاريخ كرة القدم المصرية.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt