شهدت الساعات الماضية تطورًا كبيرًا في التعامل القانوني مع صُنّاع المحتوى على تطبيق "تيك توك" داخل مصر، حيث تقدم 32 محاميًا ببلاغات رسمية ضد 10 من مشاهير التيك توك في عدد من أقسام الشرطة بالقاهرة والجيزة، منها: العجوزة، الوراق، الدقي، وإمبابة، في خطوة وصفت بـ"حملة التطهير القانونية" لتنقية الفضاء الرقمي من محتويات وصفوها بـ"الهابطة والمسيئة لقيم المجتمع المصري".
تأتي هذه الخطوة وسط تصاعد الجدل حول طبيعة المحتوى الذي يقدمه بعض التيك توكر، وتزامنًا مع تصريحات رسمية تؤكد أن الدولة عازمة على تنظيم المحتوى الرقمي ومحاسبة المخالفين، خصوصًا من يتربحون من مقاطع تمس الذوق العام أو القيم الأخلاقية.
وفقًا لما كشفه عدد من المحامين المتقدمين بالبلاغات، فقد تم رفع أكثر من 15 بلاغًا جماعيًا في الأقسام الأربعة المذكورة، ضد 10 شخصيات مؤثرة على تيك توك، بتهم متنوعة أبرزها:
نشر محتوى غير أخلاقي.
التحريض على الفسق والفجور.
الإساءة إلى القيم الأسرية.
الإتجار بالبشر باستخدام الأطفال.
التربح غير المشروع من تطبيقات التواصل.
وتم إرفاق هذه البلاغات بمقاطع فيديو مسجلة ومحتوى رقمي تم تحميله من الحسابات الرسمية للمتهمين، حيث أكد المحامون أن ما ورد فيها يمثل انتهاكًا صارخًا لقانون الجرائم الإلكترونية وقوانين حماية الطفولة والآداب العامة.
لم تُعلن الجهات الأمنية حتى الآن عن الأسماء بشكل رسمي، احترامًا لسرية التحقيقات، إلا أن بعض المصادر كشفت أن الأسماء الواردة في البلاغات تنتمي إلى فئة من صناع المحتوى الذين يتابعهم ملايين من المستخدمين، ويعتمدون على تقديم فيديوهات ذات طابع جدلي لتحقيق مشاهدات عالية.
وتردد في الوسط القانوني والإعلامي أن بعض هذه الأسماء سبق اتهامهم أو التحذير منهم في قضايا مشابهة خلال الأشهر الماضية.
يرى العديد من الخبراء أن الحملة جاءت في توقيت حساس، حيث:
ازداد الاعتماد على المحتوى الرقمي كمصدر دخل سريع.
ظهرت ظواهر مثل استغلال الأطفال، والسخرية من القيم الدينية والاجتماعية.
رصدت الجهات المختصة ارتفاعًا في بلاغات المواطنين المتضررين من محتوى مسيء.
ولذلك، اعتبر بعض المحامين أن ما يقوم به هؤلاء "لا يدخل تحت بند حرية التعبير"، بل هو "تعدٍ مباشر على القانون"، ويجب وقفه بحزم.
يعتمد المحامون في بلاغاتهم على مواد واضحة من القانون المصري، أبرزها:
المخالفة | القانون المطبق | العقوبة المحتملة |
---|---|---|
نشر محتوى غير أخلاقي | قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (10 لسنة 2018) | الحبس من 6 أشهر إلى 5 سنوات وغرامة تصل لـ 300 ألف جنيه |
استغلال الأطفال | قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 وتعديلاته | الحبس من عام إلى 7 سنوات |
التحريض على الفجور | قانون العقوبات المصري - المادة 269 | الحبس من سنة إلى 3 سنوات |
التربح دون ترخيص | قوانين الضرائب والضرائب الإلكترونية | غرامات مالية وحبس وغلق الحسابات البنكية |
حتى الآن، التزمت وزارة الداخلية الصمت ولم تُصدر بيانًا رسميًا بشأن المقبوض عليهم أو نتائج التحقيقات، إلا أن:
مصادر أكدت أن بعض البلاغات تم تحويلها إلى النيابة العامة بالفعل.
إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية بدأت فحص الحسابات الرقمية وتحليل المحتوى.
يتم التنسيق مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لضبط النشاطات المشبوهة عبر التطبيقات.
وفي سياق متصل، أعرب مصدر مسؤول عن أن الدولة تعمل على ضبط المحتوى الإلكتروني دون المساس بالحريات، لكن ضمن إطار قانوني منضبط.
تفاعل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع مع القضية، حيث انقسمت الآراء بين:
مؤيدين للحملة يرون أنها تأخرت كثيرًا، ويطالبون بسن قوانين أكثر صرامة تجاه من "يسيئون للمجتمع تحت غطاء الشهرة".
معارضين يرون أن الحملة قد تُستخدم كذريعة لتقييد المحتوى النقدي أو الساخر، مطالبين بوجود معايير واضحة تفرق بين المحتوى السيئ والمحتوى المختلف.
البعض دعا إلى توعية الجمهور بخطورة ما يشاهدونه من محتوى تافه، وليس فقط ملاحقة أصحاب الحسابات.
أصدرت نقابة المحامين بيانًا أكدت فيه أن:
ما قام به الزملاء هو استخدام مشروع للأدوات القانونية في مواجهة "فوضى السوشيال ميديا".
النقابة تدعو الدولة إلى إصدار ضوابط محددة لصناع المحتوى.
تدعو أيضًا إلى عدم الزج بالمواطنين العاديين في معارك أخلاقية بناءً على الظن، والتركيز على ما هو ثابت قانونيًا.
في ظل هذا التصعيد القانوني، فإن السيناريوهات المتوقعة تشمل:
بدء استدعاءات من النيابة للمتهمين خلال الأيام المقبلة.
إغلاق بعض الحسابات رسميًا حال ثبوت التهم.
إحالة القضايا إلى المحاكم الاقتصادية المختصة بجرائم الإنترنت.
صدور قرارات بحظر بعض المحتويات أو التطبيقات في حالة التكرار.
وقد تؤثر هذه الإجراءات على مستقبل منصات الفيديو القصير في مصر، خاصة إذا قررت السلطات فرض رقابة مسبقة أو شروط ترخيص للمحتوى الربحي.
أمام هذا التصعيد، تكررت الدعوات من المواطنين وخبراء الإعلام للمطالبة بـ:
ترخيص إجباري لأي محتوى ربحي على تيك توك ويوتيوب وإنستجرام.
حظر ظهور الأطفال في المحتوى الإعلاني دون موافقة قانونية.
إنشاء هيئة تنظيم المحتوى الرقمي تشبه المجلس الأعلى للإعلام، ولكن مخصصة للسوشيال ميديا.
دمج مادة خاصة بالأمن الرقمي والأخلاقيات الإعلامية في المناهج التعليمية.
القضية الحالية لا تتعلق بأشخاص بعينهم بقدر ما تعكس صراعًا مجتمعيًا بين حرية التعبير وضبط المحتوى. ومع تصاعد البلاغات المقدمة من المحامين ضد التيك توكر في العجوزة والوراق والدقي وإمبابة، فإننا أمام لحظة فاصلة في علاقة الدولة بمواقع التواصل الاجتماعي.
هل ستكون هذه الحملة بداية لعصر جديد من التنظيم الرقمي، أم مجرد موجة غضب سرعان ما تهدأ؟ الإجابة مرهونة بقدرة الدولة على سن تشريعات تحمي القيم المجتمعية دون التضييق على الحريات، وبقدرة صناع المحتوى على فهم حدود القانون والتزامهم بالمعايير الأخلاقية.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt