أثار الحارس الإيطالي جيانلويجي دوناروما، نجم باريس سان جيرمان، جدلًا واسعًا مؤخرًا داخل الأوساط الرياضية الأوروبية، وبخاصة في بلاده، حيث اشتعلت الصحافة الإيطالية بهجوم غير مسبوق على إدارة النادي الفرنسي، بسبب ما وصفته بـ"غياب الرؤية المستقبلية" تجاه الحارس الأول لمنتخب إيطاليا. ويبدو أن مستقبل دوناروما بات مهددًا داخل أروقة الفريق الباريسي، مع تزايد التكهنات حول إمكانية جلوسه على دكة البدلاء في الموسم الجديد، أو حتى رحيله عن الفريق.
تعكس هذه الهجمات الإعلامية قلقًا متزايدًا في الأوساط الإيطالية بشأن تعامل الأندية الأوروبية الكبرى مع نجومها، خصوصًا حين يتعلق الأمر بلاعبين دوليين بحجم وتأثير دوناروما، الذي كان يُنظر إليه لسنوات كحارس الجيل القادم في أوروبا.
وعلى الرغم من الأداء اللافت الذي قدمه مع منتخب بلاده، خاصة خلال بطولة يورو 2020، فإن العلاقة بينه وبين إدارة باريس سان جيرمان لم تصل إلى حالة الاستقرار التام، مع تداول أخبار عن إمكانية التعاقد مع حارس جديد، أو الاعتماد على البدلاء في بعض المباريات الحاسمة.
الضغوط الإعلامية الإيطالية هذه المرة لم تأتِ فقط بدافع الحنين الوطني أو الولاء للاعب، بل تستند إلى وقائع وإشارات متكررة من داخل باريس تُظهر أن مستقبل دوناروما داخل النادي بات ضبابيًا، وأن التعامل مع اللاعب لا يرتقي لقيمته الفنية والتاريخية، مما أثار حفيظة الإعلام الإيطالي بشكل واضح ومباشر.
منذ انتقال دوناروما إلى باريس سان جيرمان قادمًا من ميلان في صيف 2021، مقابل صفقة انتقال حر، والجدل لم يتوقف حول مركزه الأساسي في الفريق، في ظل وجود كيلور نافاس، الحارس المخضرم وصاحب الأداء الثابت.
وفي الموسم الأول، تناوب اللاعبان على حراسة مرمى الفريق، ما أحدث حالة من عدم الاستقرار الفني داخل النادي، وأثر على تركيز دوناروما. ورغم أن إدارة النادي حاولت الترويج لفكرة "التناوب الذكي"، إلا أن ذلك لم يلقَ قبولًا لدى الإعلام الإيطالي، الذي رأى أن دوناروما لا يجب أن يُعامل بهذه الطريقة بعد أدائه البطولي مع منتخب بلاده.
ومع رحيل نافاس، ظن الكثيرون أن الطريق بات ممهدًا أمام الحارس الإيطالي ليكون الحارس الأول بلا منازع. لكن مع ذلك، ظلّت الشكوك قائمة حول مكانته داخل الفريق، خاصة في ظل الانتقادات التي وُجهت إليه عقب بعض المباريات المهمة، سواء في الدوري الفرنسي أو دوري أبطال أوروبا.
تناولت العديد من الصحف الإيطالية هذا الأسبوع، ومن بينها "لا جازيتا ديلو سبورت" و"كورييري ديلو سبورت"، مستقبل دوناروما في باريس سان جيرمان بنبرة هجومية، مؤكدة أن النادي الفرنسي لا يُقدّر قيمة الحارس بالشكل الكافي، ولا يمنحه الثقة التي يستحقها كأحد أفضل الحراس في أوروبا حاليًا.
وركزت بعض المقالات على أن دوناروما، رغم صغر سنه، يمتلك خبرات كبيرة، وأن أي تردد في التعامل معه كحارس أول يُعد خطأ فادحًا من قبل الجهاز الفني والإدارة. وذهبت بعض التحليلات إلى أن النادي يضع الحارس في مواقف حرجة تجعله عُرضة للنقد الجماهيري، بدلًا من حمايته وتوفير بيئة مستقرة تساعده على تقديم أفضل ما لديه.
على أرض الواقع، لم تأتِ الانتقادات الإيطالية من فراغ. فقد رصد الإعلام عددًا من الإشارات التي تعكس بالفعل حالة من التردد داخل باريس سان جيرمان بشأن مستقبل دوناروما، منها:
عدم تجديد عقده حتى الآن: على الرغم من أن عقده ما زال ساريًا، فإن غياب المبادرة من الإدارة لتمديد التعاقد تُعد إشارة سلبية.
الحديث عن التعاقد مع حارس جديد: تداولت الصحافة الفرنسية مؤخرًا أخبارًا عن نية النادي التعاقد مع حارس بديل في الموسم الجديد، وهو ما أثار قلقًا كبيرًا.
عدم مشاركته في مباريات ودية مهمة خلال الفترة التحضيرية: الأمر الذي رآه البعض مؤشرًا على تغيّر في ترتيب الحراس داخل الفريق.
في الوقت الذي يعترف فيه الجميع بقدرات دوناروما الفنية الهائلة، فإن المتابعين يلاحظون أيضًا أن الحارس الشاب بات تحت ضغط نفسي كبير منذ انضمامه إلى باريس سان جيرمان، خاصة في ظل الانتقادات المتواصلة، وتغير سياسة المدربين المتعاقبين على النادي.
هذا الضغط، وإن لم يظهر دائمًا على الأداء داخل الملعب، فإنه ينعكس في بعض اللحظات الحرجة، مثل الأخطاء التي وقع فيها في مباريات دوري الأبطال، والتي كلفت الفريق الكثير وأثرت على صورته أمام الجماهير والإعلام.
لكن كثيرين يرون أن جزءًا من هذه الأخطاء يعود إلى غياب الاستقرار، وغياب الدعم الكامل من النادي للاعب، وعدم وضوح الأدوار بينه وبين المدربين السابقين.
الجماهير الباريسية لم تكن على قلب رجل واحد تجاه دوناروما. فبينما يرى البعض أنه لا يزال يستحق الفرصة والدعم، يرى آخرون أن مستواه لا يرقى لطموحات النادي، خاصة في ظل رغبة الفريق في الفوز بدوري أبطال أوروبا.
أما الجماهير الإيطالية، فكانت أكثر صرامة في دعمها للحارس، واعتبرت أن ما يحدث له في باريس هو تقليل من قيمته، وقد يؤثر سلبًا على مستواه في المستقبل، سواء مع النادي أو المنتخب الوطني.
مع تصاعد الأزمة، بدأت بعض الأصوات تتحدث عن إمكانية عودة دوناروما إلى الدوري الإيطالي، خاصة مع اهتمام بعض الأندية الكبرى بخدماته مثل يوفنتوس وإنتر ميلان.
لكن حتى الآن، لا توجد أي مؤشرات رسمية على رغبة اللاعب في الرحيل، رغم أن وكيل أعماله لم يغلق الباب أمام فكرة العودة في المستقبل القريب.
بحسب بعض التقارير المقربة من الحارس، فإن دوناروما لا يرغب في الرحيل في الوقت الحالي، ويريد إثبات جدارته داخل باريس سان جيرمان. لكنه أيضًا يشعر بالإحباط من الطريقة التي تتم بها الأمور، ويعتقد أنه لا يحصل على ما يستحقه من دعم وثقة.
هو يدرك أن مستقبله في المنتخب الإيطالي يرتبط أيضًا بأدائه مع النادي، ولا يريد أن يتكرر سيناريو فقدان الثقة الذي مر به بعض زملائه في مراكز أخرى نتيجة للجلوس على دكة البدلاء.
قضية دوناروما داخل باريس سان جيرمان ليست مجرد نزاع فني بين لاعب وإدارة، بل أصبحت قضية رأي عام في إيطاليا، تعكس قلقًا مشروعًا من أن يتم التعامل مع أحد رموز الجيل الجديد في الكرة الإيطالية بطريقة لا تليق بإمكاناته.
الهجوم المتواصل من الصحافة الإيطالية على النادي الفرنسي قد يُشكل ضغطًا إضافيًا على الإدارة الباريسية، ويدفعها إلى توضيح موقفها من مستقبل اللاعب. أما دوناروما، فهو في مفترق طرق حقيقي: إما أن يثبت نفسه ويعود لقيادة الفريق بثقة، أو أن يقرر العودة إلى بلاده لإنقاذ مسيرته من التدهور في ظل التحديات النفسية والفنية الحالية.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt