لم يكن يتخيل بعض مشاهير التيك توك في مصر أن رحلتهم من مقاطع الفيديو اليومية إلى "الترند" ستنتهي خلف القضبان، حيث تتابعت خلال الفترة الأخيرة موجة من القبض والتحقيقات التي طالت عددًا من المؤثرين والمؤثرات على تطبيق "تيك توك"، بتهم تتعلق بخدش الحياء، نشر محتوى غير لائق، أو استغلال الأطفال وتحقيق أرباح غير مشروعة.
فمن نجم يسعى لملايين المشاهدات، إلى متهم يتم التحقيق معه في قضايا جنائية، أصبحت قصص مشاهير التيك توك حديث الرأي العام، وسط دعوات من قطاعات مختلفة إلى ضبط الفوضى الإلكترونية وفرض رقابة قانونية على المحتوى.
وفي هذا التقرير، نرصد أبرز تفاصيل قضايا مشاهير التيك توك، وتحليل الظاهرة، وردود الفعل المجتمعية، إلى جانب التساؤل الأهم: هل أصبحت الشهرة الرقمية طريقًا سريعًا للسقوط الأخلاقي والقانوني؟
خلال السنوات الماضية، شهد تطبيق "تيك توك" في مصر انتشارًا واسعًا، خصوصًا بين فئة الشباب والمراهقين. ومع غياب رقابة أسرية في بعض الحالات، وانخفاض تكلفة الإنترنت، أصبح بإمكان أي شخص إنشاء حساب والبدء في تصوير مقاطع فيديو قصيرة، يمكن أن تحقّق ملايين المشاهدات في وقت قصير.
اعتمد بعض المستخدمين على الكوميديا أو التحديات الطريفة، فيما لجأ آخرون إلى تقديم محتوى مثير للجدل، من خلال الرقص في أماكن عامة، أو أداء مقاطع بملابس غير لائقة، أو استخدام إيحاءات لفظية وجسدية مثيرة.
وكان من بين هؤلاء أشخاص لا يملكون أي مؤهل فني أو علمي، لكنهم استطاعوا خلال فترة قصيرة تحقيق شهرة واسعة بفضل خوارزميات التيك توك التي تُظهر المحتوى حسب تفاعل الجمهور.
مع تزايد شهرة بعض التيك توكرز، بدأت أعين المتابعين تلاحظ وجود تجاوزات أخلاقية أو خروقات للقانون، خصوصًا بعد انتشار حالات استغلال للأطفال، أو تصوير مشاهد غير مناسبة في منازل خاصة أو شوارع عامة.
وتلقت أجهزة الأمن عشرات البلاغات من مواطنين، ومحامين، ومؤسسات أهلية، تطالب بالتحقيق مع بعض المشاهير بتهمة نشر الفسق والفجور، وتشويه صورة المجتمع المصري، والتحريض على الانحراف.
الأمر لم يقف عند حدود الشكاوى، بل تحركت جهات التحقيق بالفعل، وصدرت أوامر ضبط وإحضار لعدد من الأسماء، وتمت مداهمة منازل بعضهم، أو القبض عليهم خلال بث مباشر على التيك توك.
شهدت الفترة الأخيرة تحركات قانونية موسعة ضد عدد من مشاهير التيك توك، شملت أكثر من عشرة أسماء بارزة، بتهم متنوعة، من بينها:
نشر محتوى منافٍ للآداب العامة
التحريض على الفسق والفجور
الاتجار بالبشر عبر استغلال الأطفال في الفيديوهات
تحقيق أرباح إلكترونية غير مشروعة دون ترخيص
إهانة القيم الأسرية للمجتمع المصري
وفي بعض القضايا، كانت هناك أدلة مادية مصورة، تم الحصول عليها من حسابات المتهمين، أو عبر متابعتهم خلال البث المباشر. وتمت إحالة البعض إلى النيابة العامة، بينما لا يزال آخرون قيد التحقيق.
خلال جلسات التحقيق، تفاوتت ردود أفعال المتهمين. بعضهم أقروا بأنهم لم يكونوا ينوون الإساءة، وأنهم كانوا يقلدون الترندات المنتشرة على المنصة، دون إدراك لتأثير ما يقدمونه من محتوى على المتابعين.
في المقابل، أنكر آخرون التهم الموجهة إليهم، واعتبروا أن الفيديوهات المنشورة تم اجتزاؤها من سياقها، أو أنها كانت مجرد تمثيل ولا تعبر عن واقعهم.
غير أن النيابة احتفظت بتسجيلات كاملة، وأمرت بحبس عدد من المتهمين على ذمة التحقيق، خاصة في القضايا التي تضمنت استغلالًا للأطفال أو بثًا مباشرًا بمحتوى غير لائق.
أثارت القضايا موجة كبيرة من الجدل داخل المجتمع المصري، بين من يطالب بالحرية الشخصية واعتبار المحتوى الإلكتروني شكلًا من أشكال التعبير، وبين من يرى أن هناك خطوطًا حمراء لا يجب تجاوزها باسم الشهرة أو التسلية.
وأعرب الكثير من المواطنين عن ارتياحهم للتحرك القانوني الأخير، مؤكدين أن وسائل التواصل يجب أن تكون وسيلة للتعلم والتثقيف أو الترفيه المقبول، وليس لترويج السلوكيات الغريبة أو الخارجة.
وفي المقابل، دافع بعض الناشطين عن فكرة حرية المحتوى، لكنهم طالبوا بتقنينه وفقًا لضوابط قانونية واضحة، مع ضرورة توعية المستخدمين وتثقيفهم، بدلاً من الاكتفاء بالعقوبات.
يرى بعض الخبراء أن الفوضى التي شهدتها منصات مثل التيك توك خلال الفترة الأخيرة، ترجع إلى غياب منظومة رقابة إلكترونية فعالة، وضعف الثقافة الرقمية لدى قطاع كبير من المستخدمين.
كما أن بعض العائلات تسمح لأبنائها بامتلاك هواتف ذكية دون إشراف، ما يفتح المجال للتأثر بالمحتوى السلبي أو تقليد التصرفات غير المقبولة.
ودعا المختصون إلى تعزيز برامج "الأمن السيبراني المجتمعي"، وتنفيذ حملات توعية في المدارس والجامعات، وتشجيع المحتوى الهادف.
واحدة من أكثر التساؤلات المثارة بعد القبض على بعض المؤثرين، كانت عن مصدر أرباحهم، خاصة أن البعض منهم يمتلك سيارات فارهة، ويعيش حياة مرفهة.
وتُظهر التحقيقات أن الأرباح تأتي من عدة مصادر، منها:
الهدايا الإلكترونية التي يرسلها المتابعون خلال البث المباشر
الترويج لمنتجات مقابل أجر (الإعلانات)
تحويل مشاهدات الفيديوهات إلى أرباح عبر منصات أخرى مرتبطة
لكن كثيرًا من هؤلاء المؤثرين لا يصرحون بهذه الأرباح أو لا يمتلكون تراخيص رسمية للعمل كمؤثرين، ما يجعلهم عرضة للمساءلة القانونية من جهة الضرائب، والرقابة المالية.
رغم كل الجدل، لا يبدو أن منصة تيك توك ستختفي قريبًا، فهي ما تزال واحدة من أكثر التطبيقات استخدامًا بين الشباب في مصر والعالم. لكن من المؤكد أن شكل استخدامها سيتغير تدريجيًا.
فمع تنامي التحرك القانوني، وزيادة الرقابة المجتمعية، سيتم الحد من المحتوى المخالف، وسيتجه العديد من المستخدمين إلى تقديم محتوى أكثر التزامًا، سواء في الكوميديا أو التوعية أو حتى الترفيه.
وقد تُجبر المنصة نفسها على مراجعة آلياتها في التعامل مع المستخدمين المصريين، وتقديم أدوات حماية إضافية، وربما إدخال تعديلات على سياسات النشر حسب كل دولة.
من "الترند" إلى الزنزانة، هكذا تحوّل حال بعض مشاهير التيك توك في مصر، بعد أن ظنوا أن خوارزميات الشهرة تغني عن القانون، وأن المشاهدات وحدها كافية لتبرير أي محتوى. غير أن المجتمع والقانون كان لهما رأي آخر.
القضية أعمق من مجرد فيديوهات ساخرة أو مقاطع رقص، بل ترتبط بثقافة مجتمعية، وتربية أسرية، ومسؤولية منصات التواصل، التي يجب أن تتحول من أدوات ترفيه عشوائي، إلى أدوات بناء وتعبير راقٍ.
فهل تكون هذه الأحداث بداية لعصر جديد من المحتوى المسؤول؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt