في ظل التوسع الكبير في منصات التواصل الاجتماعي، وتحقيق بعض صانعي المحتوى دخلًا مرتفعًا دون وضوح في مصدر الأموال، بدأ الرأي العام يطرح تساؤلات حول مدى قانونية هذه الأرباح، لا سيما بعد اتهام عدد من الشخصيات المعروفة على تطبيق "تيك توك" في قضايا تتعلق بغسل الأموال.
هذه القضايا فتحت الباب واسعًا أمام النقاش حول مفهوم "غسل الأموال" في القانون المصري، والعقوبات المرتبطة به، والإجراءات التي تتخذها الدولة لمواجهة هذا النوع من الجرائم.
في هذا المقال، نستعرض أبرز المعلومات القانونية الخاصة بجريمة غسل الأموال في مصر، ونوضح الفرق بينها وبين الكسب غير المشروع، ونبيّن كيفية تعامل الجهات القضائية معها.
غسل الأموال هو عملية تحويل أو نقل الأموال التي تم الحصول عليها من أنشطة غير مشروعة بهدف إخفاء مصدرها الحقيقي، وتحويلها إلى أموال تبدو وكأنها ناتجة عن أنشطة قانونية.
بمعنى آخر، هي عملية "تنظيف" الأموال القذرة لتصبح قانونية في نظر المؤسسات المالية.
وقد عرف القانون المصري غسل الأموال بأنه كل من يقوم بتحويل أو نقل أموال، أو يمتلكها، أو يستخدمها، مع علمه بأنها متحصلة من جريمة، بغرض إخفاء أو تمويه طبيعة هذه الأموال أو مصدرها أو صاحبها الحقيقي.
المال الذي يتم استخدامه في جرائم غسل الأموال عادة ما يكون متحصلًا من جرائم مثل:
تجارة المخدرات
الدعارة والاتجار بالبشر
السرقات والابتزاز
الفساد المالي والإداري
النصب والاحتيال
التهرب الضريبي والجمركي
استغلال الأطفال عبر الإنترنت
جرائم منصات التواصل الاجتماعي غير المشروعة
وبالتالي فإن محاولة إدخال هذه الأموال في النظام الاقتصادي الرسمي يشكل جريمة بحد ذاته.
ينص قانون مكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002، وتعديلاته بالقانون رقم 36 لسنة 2014، على عقوبات صارمة لمواجهة هذه الجريمة.
وتشمل العقوبات:
السجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، وقد تصل إلى سبع سنوات.
غرامة لا تقل عن قيمة الأموال محل الجريمة، ولا تزيد على ضعف هذه القيمة.
مصادرة الأموال المغسولة أو قيمتها أو المتحصلات الناتجة عنها.
في بعض الحالات، قد تُضاف عقوبات تبعية مثل الحرمان من تولي الوظائف العامة، أو الإقصاء من بعض الحقوق المدنية.
لا، بالطبع لا. الربح من الإنترنت، سواء من الإعلانات أو التجارة الإلكترونية أو المحتوى، أمر قانوني تمامًا طالما أن مصدر الدخل معروف وواضح، ويتم الإعلان عنه بشكل رسمي، مع التزام صاحبه بسداد الضرائب المستحقة عليه.
لكن الخطر يبدأ عندما:
تكون هناك فجوة كبيرة بين مستوى الدخل والمستوى المعلن.
لا يتم توضيح مصدر الأموال.
يتم تحصيل الأموال عبر طرق غير رسمية.
يتم استخدامها في شراء أصول أو عقارات دون سجل قانوني.
يُشتبه في أنها ناتجة عن استغلال غير قانوني مثل الفيديوهات المخلة أو النصب الإلكتروني.
هناك عدة آليات تعتمد عليها الدولة لكشف هذا النوع من الجرائم، منها:
وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالبنك المركزي المصري.
التعاون بين الجهات الرقابية مثل مصلحة الضرائب، والأجهزة الأمنية، والبنك المركزي.
التتبع البنكي للحسابات والتحويلات المشبوهة.
تحليل نمط الإنفاق ومستوى المعيشة.
التحقيقات الفنية عبر الإنترنت.
وبالتالي فإن الجهات المعنية تراقب أي نشاط مالي غير معتاد أو غير مبرر، خاصة إذا كان صاحبه لا يمتلك سجلًا ضريبيًا أو دخلًا مشروعًا واضحًا.
نعم، هناك فرق جوهري بين المصطلحين:
غسل الأموال: هو إخفاء مصدر الأموال المتحصلة من جريمة بهدف إضفاء صفة المشروعية عليها.
الكسب غير المشروع: يشير إلى تحقيق شخص دخلًا أو ثروة بوسائل مخالفة للقانون، مثل استغلال الوظيفة العامة.
وفي بعض الأحيان قد تجتمع الجريمتان، كأن يحصل الشخص على أموال بطرق غير مشروعة ثم يحاول غسلها عبر عمليات وهمية.
تتنوع طرق غسل الأموال، وأصبحت أكثر تعقيدًا مع تطور التكنولوجيا، ومن أبرز الطرق:
إنشاء شركات وهمية لتحويل الأموال بين حسابات متعددة.
استخدام بطاقات الدفع الإلكترونية لتمرير الأموال بين دول مختلفة.
شراء عقارات وسيارات فاخرة ثم بيعها لتحويل المال.
استخدام منصات المحتوى (مثل تيك توك ويوتيوب) كواجهة لتبرير دخول الأموال.
التعامل بالعملات الرقمية دون رقابة.
ازداد مؤخرًا استخدام بعض صناع المحتوى الشهيرين على منصات مثل تيك توك وإنستجرام ويوتيوب في أنشطة تثير الشبهات، مثل:
عرض نمط حياة فاره بدون مصادر دخل واضحة.
تضخيم أعداد المتابعين لبيع الإعلانات وهميًا.
الترويج لمنتجات مشبوهة أو خدمات غير قانونية.
تلقي أموال من جهات غير معروفة.
هذا دفع الجهات الرقابية إلى تتبع حركة الحسابات البنكية لهؤلاء المؤثرين، خاصة من ليس لهم سجل ضريبي أو مصدر دخل معلن.
عند الاشتباه في ارتكاب جريمة غسل أموال، تبدأ الجهات المختصة في:
تجميد الحسابات البنكية للمتهم.
التحفظ على الممتلكات والعقارات.
استدعائه للتحقيق.
مطالبة المتهم بتقديم مستندات تثبت مصدر الأموال.
تقديمه للمحاكمة إذا توافرت الأدلة.
وفي حال ثبوت الجريمة، يتم تطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون، بالإضافة إلى إمكانية إحالة ملفه للنيابة العامة في قضايا إضافية مثل التهرب الضريبي.
نعم، تُعتبر من الجرائم العابرة للحدود، حيث قد تبدأ العملية في دولة وتنتهي في أخرى. ولهذا السبب توجد اتفاقيات دولية مثل اتفاقية باليرمو واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، والتي تلزم الدول بتبادل المعلومات والتعاون في تتبع هذه الجرائم.
مصر من الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات، وتلتزم بتطبيق المعايير الدولية في مكافحة غسل الأموال.
يلعب الإعلام دورًا حاسمًا في تسليط الضوء على القضايا التي تتعلق بغسل الأموال، من خلال:
توعية الجمهور بطبيعة الجريمة.
تحليل أنماط الثراء المفاجئ لبعض المؤثرين.
المطالبة بتفعيل الرقابة على الأموال الإلكترونية.
دعم الجهات القضائية في جهودها لمكافحة الفساد المالي.
لكن في نفس الوقت، يجب الحذر من نشر الاتهامات بدون أدلة، تجنبًا للتشهير أو الإساءة دون وجه حق.
جريمة غسل الأموال من أخطر الجرائم الاقتصادية التي تهدد استقرار النظام المالي وتفتح الباب أمام الفساد والجريمة المنظمة. ومع التوسع الرقمي وظهور نماذج جديدة للربح عبر الإنترنت، بات من الضروري أن يكون هناك وعي مجتمعي وقانوني بهذه الجريمة، سواء من قبل المواطنين أو صناع المحتوى.
الربح ليس جريمة، لكن تبرير المال المجهول وتحويله إلى شرعي بدون مصدر واضح قد يُعرض صاحبه لمسؤولية جنائية كبيرة. وفي الوقت نفسه، فإن الدولة مستمرة في تطوير أدواتها لملاحقة هذه الأنشطة، حفاظًا على النزاهة المالية واستقرار الاقتصاد الوطني.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt