أثار تصاعد الجدل حول محتوى تطبيق "تيك توك" في مصر تساؤلات ملحة بشأن مصيره القانوني، خاصة مع اتساع حملات القبض على عدد من مشاهير المنصة بسبب اتهامات تتعلق بالإساءة للذوق العام، ونشر محتوى لا يليق بالعادات والتقاليد المصرية. هذه الموجة من الغضب المجتمعي رافقها حديث برلماني عن ضرورة وضع ضوابط صارمة على التطبيق، وهو ما أعاد إلى الواجهة سؤالًا محوريًا: هل تفكر الدولة فعليًا في إغلاق التطبيق؟
لا يمكن إنكار أن تطبيق "تيك توك" بات من أكثر التطبيقات استخدامًا بين الشباب والمراهقين في مصر، إذ يعتمد على محتوى سريع الانتشار يعتمد في الغالب على مقاطع الفيديو القصيرة التي تستقطب ملايين المشاهدات خلال ساعات.
لكن، في مقابل هذا الانتشار، واجه التطبيق في الأشهر الأخيرة موجة انتقادات واسعة النطاق، نتيجة تكرار ظهور محتوى وُصف بأنه مبتذل، أو غير مناسب أخلاقيًا، أو يحرض على سلوكيات غير مقبولة، فضلًا عن الاتهامات باستخدامه كمنصة للكسب السريع بطرق غير مشروعة، وهو ما دفع بعض النواب إلى المطالبة بتقنينه أو حظره نهائيًا.
داخل البرلمان المصري، ظهرت أصوات تطالب باتخاذ إجراءات حاسمة تجاه التطبيق. وتنوعت الآراء بين من يرى ضرورة الإغلاق الكامل لحماية القيم الاجتماعية، ومن يؤيد فرض رقابة مشددة على المحتوى المنشور مع معاقبة المخالفين دون الحاجة إلى الحظر الكلي.
بعض النواب اعتبروا أن "تيك توك" تحوّل من تطبيق ترفيهي إلى منصة تؤثر سلبًا على عقول النشء، وتروج لمظاهر لا تعكس الواقع، بل وتكافئ المستخدم على المبالغة في الأداء والظهور غير الأخلاقي، في سبيل زيادة المشاهدات. هذه الظاهرة برأيهم تمثل تهديدًا مباشرًا للهوية الثقافية والأخلاقية في المجتمع.
رغم التصريحات القوية، لم يصدر عن الحكومة المصرية أو الجهات التشريعية أي قرار رسمي بإغلاق التطبيق حتى الآن.
بل إن بعض الأصوات البرلمانية أوضحت أن فكرة الحظر الكلي لتطبيق عالمي بهذه الضخامة قد تكون غير مجدية، وقد تفتح الباب أمام تساؤلات دولية حول حرية التعبير والاستخدام الرقمي، إضافة إلى صعوبة تطبيق مثل هذا القرار تقنيًا في ظل وجود وسائل متعددة لتجاوز الحجب.
وبالتالي، يبدو أن الاتجاه الأقرب هو إخضاع التطبيق لرقابة قانونية صارمة، مع تعزيز أدوات تتبع المحتوى المسيء ومعاقبة من يخرق القوانين المحلية.
في ظل هذه الأزمة، عاد الحديث عن قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الذي أقرته الدولة في السنوات الأخيرة. هذا القانون يتيح للجهات المختصة اتخاذ إجراءات قانونية ضد أي محتوى على الإنترنت يخل بالأمن القومي أو النظام العام أو القيم الأسرية.
وبالتالي، فإن المحتوى المنشور عبر "تيك توك" يخضع بطبيعته لهذا القانون، ما يعني أن الحكومة لا تحتاج إلى إصدار تشريع جديد لإغلاق التطبيق، بل يمكنها الاكتفاء بتطبيق مواد القانون القائمة لمواجهة الانتهاكات.
تجدر الإشارة إلى أن مصر ليست الدولة الوحيدة التي تُناقش مصير التطبيق، فعدد من الدول فرضت حظرًا جزئيًا أو كليًا على "تيك توك" في فترات سابقة، لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو حماية البيانات أو الأخلاق العامة.
لكن أغلب هذه الدول عادت واعتمدت سياسات أكثر مرونة، كفرض قيود عمرية، وإلزام التطبيق بتعديل خوارزميات المحتوى، أو إنشاء مكاتب تمثيل محلية خاضعة للقوانين المحلية.
في هذا السياق، يرى بعض المختصين أن حلول التنظيم والرقابة تبقى أكثر فاعلية من الحظر التام، لا سيما في مجتمع رقمي واسع كالذي تعيشه مصر اليوم.
المواطن المصري لم يبقَ صامتًا في هذه القضية، إذ تباينت ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي بين مرحب بإغلاق التطبيق باعتباره مصدرًا للفساد الأخلاقي، ومؤيد لوضع ضوابط قانونية مشددة، وبين من يرفض تمامًا فكرة الحظر، معتبرًا أن الحل يكمن في التوعية وليس المنع.
فئة كبيرة من الشباب ترى أن "تيك توك" يوفر لهم وسيلة للتعبير عن الذات، والتفاعل مع العالم، بل وأصبح مصدر دخل للكثير منهم، وبالتالي فإن إغلاقه قد يؤثر على حياتهم المادية والمعنوية.
القلق الأوسع بين مستخدمي التطبيق لا يتعلق فقط بإمكانية إغلاقه، بل بالتوسع في توقيف الشباب بناءً على محتوى قد يُفسر بشكل مبالغ فيه على أنه مخالف، ما قد يؤدي إلى حالة من التوجس والخوف لدى المستخدمين، ويؤثر على حرية الاستخدام المشروع.
بعض الأصوات تطالب بوجود جهة تنسيقية رسمية تشرف على محتوى "تيك توك" في مصر، وتحدد ما هو مسموح أو مرفوض بشكل واضح وعلني، لتفادي أي سوء فهم أو تطبيق عشوائي للعقوبات.
في حال قررت الحكومة فعليًا إغلاق التطبيق، ستكون هناك تداعيات مباشرة على قطاع الاقتصاد الرقمي، خاصة في ظل انتشار المحتوى التسويقي على "تيك توك"، وظهور ما يُعرف بصناعة المؤثرين، وهي صناعة أصبحت توفر فرص عمل حقيقية لآلاف الشباب في مصر.
وبالتالي، فإن أية قرارات انفعالية قد تُلحق ضررًا بمنظومة الاقتصاد الإبداعي التي تسعى الدولة إلى تطويرها، وهو ما يجعل فكرة الإغلاق التام غير مرحب بها على نطاق واسع من المتخصصين في المجال الرقمي.
المراقبون يرون أن الحل لا يكمن في حجب التطبيقات، بل في توسيع آليات الرقابة الإيجابية، وتشجيع المحتوى الراقي، مع وجود حملات توعية شاملة للمستخدمين حول القوانين والعقوبات.
كما أن من الضروري تدريب الشباب على الاستخدام المسؤول للمنصات الرقمية، وإدراج التثقيف الإلكتروني ضمن مناهج التعليم، لخلق وعي حقيقي في المجتمع حول المخاطر والسلوكيات المقبولة على الإنترنت.
حتى الآن، تشير الاتجاهات البرلمانية إلى أن الحظر الكامل غير مطروح بجدية، في مقابل التوجه لتشديد الرقابة ومحاسبة الأفراد، لا المنصة.
وقد يتجه البرلمان إلى إصدار تشريعات تكمل قانون الجرائم الإلكترونية، بحيث تضع ضوابط مباشرة على محتوى الفيديوهات، وتشجع الشركات المالكة للتطبيق على التعاون مع السلطات المصرية لتصفية المحتوى المخالف بشكل دوري.
يبقى السؤال معلقًا: هل سيبقى "تيك توك" مفتوحًا في مصر؟ الأرجح نعم، لكن في ظل بيئة قانونية أكثر حزمًا، ورقابة أشد على المحتوى، بهدف التوفيق بين حرية التعبير وحماية القيم المجتمعية.
مصر تخوض اليوم معركة تنظيم المحتوى الرقمي، في مواجهة تطبيقات تفرض واقعًا جديدًا على الجميع، والدولة لا تريد أن تخسر هذه المعركة لا بالحظر، ولا بالتساهل. بل تسعى لتحقيق معادلة صعبة عنوانها: الاستخدام الآمن والمنضبط في عالم مفتوح.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt