في السنوات الأخيرة، ومع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الاعتماد على أجهزة التكييف في المنازل والمكاتب، بدأ خبراء الصحة يحذرون من مخاطر غير مرئية قد تكون كامنة خلف نسيم الهواء البارد الذي يمنحنا الراحة. هذه المخاطر ترتبط بما يعرف بـ "العدوى الصامتة"، وهي انتقال الفيروسات والبكتيريا والفطريات عبر أنظمة التكييف، مما قد يؤدي إلى انتشار الأمراض بين الأشخاص دون أن يدركوا مصدر الإصابة.
العدوى الصامتة هي انتقال الميكروبات من شخص لآخر أو من بيئة ملوثة إلى أشخاص أصحاء، من دون ظهور أعراض فورية على المصاب الجديد. وتعد أجهزة التكييف أحد أبرز الوسائط التي يمكن أن تنقل هذه العدوى، خاصة إذا لم يتم تنظيفها وصيانتها بشكل دوري.
فعندما يقوم التكييف بسحب الهواء من الغرفة، فإنه يسحب معه جزيئات الغبار والميكروبات العالقة، وإذا لم تكن الفلاتر نظيفة أو النظام معقمًا، فإن هذه الجزيئات تعاد تدويرها وتنتشر في أرجاء المكان.
وفقًا لدراسات علمية، فإن أنظمة التكييف تعمل على إعادة تدوير الهواء الداخلي، ما يعني أن أي جسيمات فيروسية أو بكتيرية في الهواء يمكن أن تنتشر بسرعة عبر مجاري الهواء إلى جميع الغرف المرتبطة بنفس النظام.
على سبيل المثال:
إذا كان أحد الأشخاص في مكتب مفتوح مصابًا بفيروس تنفسي مثل الإنفلونزا أو فيروس كورونا، فقد تنتقل القطرات الصغيرة التي يطلقها أثناء السعال أو العطس إلى مجاري التكييف.
هذه القطرات الدقيقة قد تبقى عالقة في الهواء لفترة طويلة، وتنتقل مع الهواء المبرد إلى أشخاص آخرين.
الفيروسات المغلفة، مثل فيروس كورونا، يمكن أن تظل معدية لفترة تتراوح بين ساعات وأيام على الأسطح الداخلية للمكيف أو في مرشحات الهواء.
هناك عدة عوامل تجعل انتقال الفيروسات أكثر سهولة في بيئة مكيفة:
سوء التهوية الطبيعية: الاعتماد الكلي على الهواء المعاد تدويره يقلل من دخول الهواء النقي.
قلة الصيانة الدورية: تراكم الغبار والرطوبة في الفلاتر والمجاري يوفر بيئة مثالية لنمو الميكروبات.
الرطوبة العالية: الرطوبة داخل أنظمة التكييف تساعد على بقاء بعض الفيروسات حية لفترة أطول.
الازدحام البشري: وجود عدد كبير من الأشخاص في مكان مغلق يزيد من احتمالية انتشار العدوى.
أشهر مثال مرضي على انتقال العدوى عبر أجهزة التكييف هو داء الفيالقة (Legionnaires' disease)، وهو مرض بكتيري خطير يصيب الجهاز التنفسي ويسببه نوع من البكتيريا يُسمى ليجيونيلا. هذه البكتيريا تتكاثر في المياه الراكدة داخل أنظمة التكييف أو أبراج التبريد، وتنتقل إلى البشر عبر استنشاق الرذاذ الملوث.
كما ربطت عدة دراسات بين انتشار نزلات البرد والإنفلونزا في المكاتب المكيفة، حيث يكون الهواء الداخلي محملاً بجزيئات الفيروسات.
لحماية نفسك وأفراد أسرتك أو زملائك من هذه المخاطر، ينصح الخبراء بما يلي:
تنظيف الفلاتر بانتظام: يُفضل تنظيف أو تغيير فلاتر الهواء مرة كل شهرين أو حسب توصية الشركة المصنعة.
تطهير مجاري الهواء: يجب الاستعانة بفنيين مختصين لتنظيف وتعقيم مجاري الهواء الداخلية مرة أو مرتين سنويًا.
التهوية الطبيعية: فتح النوافذ بشكل دوري للسماح بدخول الهواء النقي وتقليل تركيز الميكروبات.
استخدام أجهزة تنقية الهواء: يمكن تركيب أجهزة مزودة بفلاتر HEPA التي تزيل الجزيئات الدقيقة والفيروسات من الهواء.
ضبط الرطوبة: الحفاظ على مستوى رطوبة بين 40% و60% يحد من نشاط بعض الفيروسات والبكتيريا.
عزل المصابين: في بيئات العمل، يفضل بقاء الموظفين المرضى في منازلهم لتقليل فرص انتشار العدوى.
المشكلة الأساسية مع العدوى الصامتة هي أن الأشخاص قد لا يدركون أن مصدر مرضهم مرتبط بالتكييف، فيظنون أن السبب هو مجرد تغير درجات الحرارة أو "برد المكيف". لكن الحقيقة أن المكيف قد يكون الناقل الأساسي للميكروبات، خاصة في بيئات مغلقة وكثيفة الاستخدام.
لذلك، من المهم أن تضع المؤسسات والشركات سياسات صارمة لصيانة أنظمة التكييف، ليس فقط للحفاظ على كفاءتها في التبريد، ولكن أيضًا كجزء من إجراءات الصحة العامة.
كما أظهرت نماذج محاكاة حاسوبية أن جسيمات بحجم أقل من 5 ميكرومتر يمكن أن تبقى عالقة في الهواء لساعات، وأن نظام التكييف قد ينقلها إلى أماكن بعيدة عن نقطة انبعاثها الأولى.
خلال جائحة كورونا، أصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) والمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض (CDC) توصيات خاصة بشأن تشغيل التكييفات، تضمنت زيادة معدل إدخال الهواء الخارجي إلى المبنى، واستخدام فلاتر عالية الكفاءة، وتقليل إعادة تدوير الهواء الداخلي قدر الإمكان.
كما أكدت الدراسات على أن التهوية الجيدة وتصفية الهواء من أهم العوامل التي تقلل من خطر انتشار الفيروسات في الأماكن المغلقة.
فالمسألة في النهاية لا تتعلق بالتخلي عن استخدام التكييف، بل بكيفية استخدامه وصيانته بالشكل الذي يحافظ على الصحة العامة، سواء في المنازل أو أماكن العمل.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt