في ظل تزايد الوعي الصحي لدى الكثيرين، اتجه عدد كبير من الناس إلى بدائل السكر والمشروبات قليلة أو منعدمة السعرات الحرارية مثل المشروبات الغازية "الدايت". ولعقود طويلة، رُوّج لهذا النوع من المشروبات على أنه بديل آمن وصحي لمشروبات الصودا التقليدية، وخاصة لمرضى السكر أو من يتبعون أنظمة غذائية لإنقاص الوزن. لكن مؤخرًا، بدأ الجدل يدور حول الأثر الحقيقي لهذه المنتجات على الصحة العامة، وتحديدًا علاقتها بأمراض مزمنة مثل داء السكري.
دراسة جديدة أجرت تحليلاً موسعًا على تأثير تناول المشروبات الغازية "الدايت" بانتظام، لتصل إلى نتائج مفاجئة وصادمة للكثيرين. فقد تبين أن الاستهلاك اليومي لهذه المشروبات قد يرفع من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، حتى وإن كانت خالية من السكر التقليدي.
المشروبات الغازية الدايت هي مشروبات خالية من السكر الطبيعي وتحتوي بدلًا من ذلك على محليات صناعية مثل الأسبارتام أو السكرالوز أو أسيسولفام-K. وتُستخدم هذه المواد لإعطاء الطعم الحلو دون إضافة سعرات حرارية.
يُقبل عليها عادة الأشخاص الذين يحاولون إنقاص أوزانهم، أو المصابون بداء السكري، أو من يرغبون في تقليل استهلاك السكر خوفًا من الأمراض المزمنة.
لكن المفاجأة أن هذه البدائل قد لا تكون كما نتصورها آمنة على الإطلاق، بل على العكس، قد تتسبب في إرباك الجسم ورفع احتمالية الإصابة بمرض السكري.
توصلت الدراسة التي أجريت على عدد كبير من المشاركين على مدار سنوات إلى نتائج تربط بين تناول مشروب غازي "دايت" يوميًا وزيادة خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني بنسبة تتجاوز 20%.
وبحسب نتائج التحليل، فإن الأشخاص الذين يستهلكون عبوة واحدة يوميًا من هذه المشروبات كانوا أكثر عرضة لتطور مقاومة الإنسولين، وهي المرحلة التي تسبق الإصابة الفعلية بالسكر من النوع الثاني.
الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل أظهرت المؤشرات أن تكرار تناول المشروبات المحلاة صناعيًا له علاقة بتغيرات في ميكروبيوم الأمعاء (بكتيريا الأمعاء النافعة)، مما يؤثر سلبًا على عمليات التمثيل الغذائي داخل الجسم.
رغم أن المحليات الصناعية لا ترفع سكر الدم بشكل مباشر، إلا أنها تؤثر على الجسم بطرق معقدة، أهمها:
تشويش على إشارات الشبع: بعض الدراسات تشير إلى أن هذه المحليات تضعف قدرة الجسم على التعرف على السعرات، مما يجعل الشخص يشعر بالجوع أكثر ويأكل أكثر.
تغيير ميكروبيوم الأمعاء: أثبتت أبحاث أن بعض المحليات تسبب خللاً في التوازن البكتيري للأمعاء، ما يؤدي إلى مشاكل في امتصاص الجلوكوز.
تأثير نفسي وسلوكي: تناول "دايت" باستمرار قد يعطي إحساسًا زائفًا بالأمان، فيُفرط الشخص لاحقًا في تناول أطعمة غير صحية.
ليس بالضرورة. الخطر لا يأتي من مجرد استهلاك المشروبات المحلاة صناعيًا، بل من الاستهلاك المفرط والمتكرر اليومي. وتختلف الاستجابة من شخص لآخر، بحسب عوامل مثل:
الحالة الصحية العامة
الوزن
مستوى النشاط البدني
العوامل الوراثية
لكن القاعدة الذهبية في التغذية هي الاعتدال، وعدم الاعتماد على منتج صناعي كبديل دائم للماء أو المشروبات الطبيعية.
وفقًا للتحليلات، فإن أكثر الفئات تأثرًا بمخاطر المشروبات الغازية الدايت هم:
الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي مع مرض السكري
أصحاب الوزن الزائد أو السمنة
من يعانون من مقاومة الإنسولين أو مقدمات السكر
كبار السن
النساء فوق سن الأربعين
لهذا، من المهم أن يكون استهلاك هذه المشروبات محدودًا وتحت إشراف طبي في بعض الحالات.
رغم اختلاف التوجهات، إلا أن عددًا من الهيئات الصحية العالمية أبدى تحفظات على الترويج المكثف للمشروبات الغازية الدايت على أنها آمنة 100%. بعض الهيئات نصحت بالاستخدام المعتدل فقط، والبعض الآخر أوصى بتجنب المحليات الصناعية تمامًا، خاصة للأطفال والحوامل.
وهناك أيضًا توجه عام في السياسات الصحية لتقنين استخدام المحليات الصناعية في المنتجات التجارية.
إذا كنت ممن لا يستطيعون الاستغناء عن الطعم الحلو، فإليك بعض البدائل الصحية التي يمكن اللجوء إليها:
المياه الفوارة بنكهات طبيعية: يمكن تحضيرها منزليًا بإضافة شرائح الفاكهة أو الأعشاب كالنعناع والليمون.
الشاي الأخضر أو شاي الأعشاب: بدون سكر أو باستخدام كميات بسيطة من العسل.
الماء المنقوع بالفواكه: وهو بديل رائع ومنعش وآمن تمامًا.
عصائر طبيعية طازجة: ولكن بكميات معتدلة ويفضل أن تكون مخففة بالماء.
لا تعتمد على المشروب الدايت كوسيلة وحيدة لإنقاص الوزن.
راقب الكميات المستهلكة يوميًا، ولا تتجاوز عبوة واحدة في الأسبوع.
استبدلها تدريجيًا بالماء أو العصائر الطبيعية.
تابع مستوى سكر الدم بانتظام خاصة إذا كان لديك استعداد وراثي للإصابة بالسكري.
احرص على تناول وجبات متوازنة لتقليل الرغبة في السكر.
المشروبات الغازية الدايت، رغم أنها خالية من السكر والسعرات الحرارية، إلا أن لها تأثيرات غير مباشرة على الصحة العامة، خاصة عند تناولها بشكل يومي. وتشير الأبحاث الحديثة إلى وجود ارتباط محتمل بينها وبين ارتفاع خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، من خلال آليات معقدة تشمل التمثيل الغذائي، والهرمونات، والبكتيريا النافعة في الأمعاء.
وعليه، فإن الأفضل أن يكون استهلاك هذه المشروبات محدودًا، وفي إطار أسلوب حياة صحي شامل يعتمد على الطعام الطبيعي والنشاط البدني، وليس على المنتجات الصناعية مهما بدت "صحية".
إذا كنت تبحث عن فقدان الوزن أو ضبط مستويات السكر، فإن أفضل طريق هو استشارة طبيب تغذية متخصص لوضع خطة غذائية متوازنة، بعيدًا عن الحلول السريعة والمضللة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt