تشكل القهوة جزءًا لا يتجزأ من روتين ملايين الأشخاص حول العالم، وتحديدًا في العالم العربي، حيث تحظى بشعبية كبيرة وتُعتبر طقسًا يوميًا لا غنى عنه. ومع تطور التكنولوجيا، أصبحت ماكينات القهوة المنزلية وسيلة سريعة وعملية لتحضير كوب القهوة اليومي بسهولة. لكن في خضم هذا الانتشار الواسع، ظهرت تحذيرات صحية خطيرة تشير إلى أن بعض ماكينات القهوة المصنوعة من البلاستيك الأسود قد تحتوي على مواد مسرطنة، مما يثير القلق بشأن سلامة استخدامها على المدى الطويل.
في هذا التقرير نرصد تفاصيل هذا التحذير الصحي، ونوضح مدى خطورته، وأبرز الأبحاث المتعلقة به، بالإضافة إلى كيفية التعامل الآمن مع هذه الأجهزة دون تعريض الصحة للخطر.
المشكلة لا تتعلق بماكينات القهوة بشكل عام، وإنما بنوع محدد من المواد المستخدمة في تصنيع بعض أجزائها، وبالأخص البلاستيك الأسود، الذي يدخل في تصميم أجزاء كثيرة من الماكينة مثل:
خزان المياه
أنبوب مرور المياه الساخنة
الفلتر البلاستيكي
الهيكل الخارجي الداخلي
هذا النوع من البلاستيك غالبًا ما يُعاد تدويره من مخلفات إلكترونية أو مواد تحتوي على مركبات عضوية خطرة، ومن بينها ما يعرف باسم المواد المسببة للسرطان من الفئة BFRs.
من أبرز المواد التي تم رصدها في بعض نماذج ماكينات القهوة:
تُستخدم كمثبطات لهب في المواد البلاستيكية
غالبًا ما تكون موجودة في الإلكترونيات المعاد تدويرها
ثبت أن بعض أنواعها تسبب اضطرابات هرمونية وتُصنف كمسرطنة محتملة
تُستخدم لجعل البلاستيك أكثر مرونة
يمكن أن تتسرب إلى الماء الساخن عند درجات حرارة مرتفعة
ترتبط بمشاكل الخصوبة والسرطان
أحد أشهر المركبات الكيميائية المرتبطة بالبلاستيك
تم حظره في بعض الدول في منتجات الأطفال
له تأثير معروف على النظام الهرموني ويشتبه في علاقته بأورام الثدي والبروستاتا
أثبتت الدراسات أن درجات الحرارة العالية التي تُستخدم لتحضير القهوة (تتراوح بين 85 إلى 100 درجة مئوية)، تؤدي إلى:
تفكيك جزيئات البلاستيك بمرور الوقت
تسرب المواد الكيميائية من المكونات البلاستيكية إلى الماء
انتقال هذه المواد إلى كوب القهوة، خصوصًا إذا كانت الماكينة قديمة أو رديئة الصنع
هذا يجعل شرب القهوة من ماكينات تحتوي على هذه المواد وسيلة غير مباشرة للتعرض لمواد مسرطنة دون علم المستخدم.
أُجريت دراسة في جامعة "هارفارد" بالتعاون مع مؤسسة الصحة البيئية الأمريكية، وخرجت بنتائج مقلقة، حيث:
تم تحليل 30 ماكينة قهوة منزلية من علامات تجارية مختلفة
تم رصد تسرب مواد BFR وBPA في أكثر من 60% من الأجهزة
الأجهزة المصنوعة من بلاستيك أسود معاد تدويره كانت الأكثر تلوثًا
كما أشارت دراسة أوروبية أُجريت عام 2023 إلى أن نسبة BPA في بعض أكواب القهوة المُحضّرة بماكينات معينة فاقت الحد الآمن المسموح به من منظمة الصحة العالمية.
البلاستيك الأسود يتم تصنيعه عادة من مخلفات إلكترونية معاد تدويرها، ويصعب تحليل مكوناته بدقة لأنه مزيج غير متجانس من عدة أنواع بلاستيكية.
لا يتم الكشف عن نوع البلاستيك بسهولة
قد يحتوي على آثار معادن ثقيلة أو مواد كيميائية سامة
لونه الداكن يُخفي العيوب أو التلوث الموجود داخله
الإجابة لا.
الخطورة تتعلق بنوعية المواد المستخدمة، وليس جميع الماكينات. يمكن تقسيم الأنواع إلى:
النوع | درجة الأمان |
---|---|
ماكينات تحتوي على بلاستيك أسود داخلي | خطر مرتفع |
ماكينات من الإستانلس ستيل أو الزجاج | أكثر أمانًا |
ماكينات رديئة الصنع أو بدون علامة تجارية موثوقة | غير مضمونة الجودة |
إذا كنت تستخدم ماكينة قهوة منزلية بانتظام، فإليك مجموعة من النصائح الهامة لتقليل احتمالية التعرض للمواد الضارة:
تجنب شراء الأجهزة الرخيصة أو غير المعروفة
اختر ماكينات تحتوي على أجزاء من الزجاج أو الفولاذ المقاوم للصدأ
تأكد من وجود ختم جودة (مثل BPA-Free)
قم بتغيير الماكينة كل عدة سنوات، خاصةً إذا لاحظت تغير لون أو طعم القهوة
اغسل خزان المياه بانتظام بماء ساخن وخل طبيعي
لا تترك المياه داخل الخزان لفترات طويلة
استخدم فلاتر ورقية بدلًا من الفلاتر البلاستيكية إن وُجدت
بالتأكيد. هناك العديد من الوسائل البديلة التي تضمن تحضير قهوة آمنة وصحية:
الفرنش برس (French Press): مصنوعة من الزجاج بالكامل ولا تتطلب تسخين داخلي
الركوة التقليدية (المعمول بها عربيًا): تُستخدم على النار مباشرة وغالبًا من النحاس أو الإستانلس
ماكينات القهوة الإيطالية (Moka Pot): مصنوعة من الألومنيوم أو الإستانلس، ولا تحتوي على بلاستيك داخلي
د. محمد عبد الهادي، أستاذ الكيمياء الحيوية، أوضح أن المشكلة تكمن في الاستخدام اليومي والتعرض المتكرر للمواد المسرطنة حتى بكميات ضئيلة، حيث أن "التعرض المزمن حتى لو كان محدودًا، يمكن أن يتراكم ويُحدث تأثيرًا سلبيًا على الصحة العامة، خصوصًا في أعضاء مثل الكبد والكلى والجهاز التناسلي."
أما د. أماني عبد السلام، خبيرة السموم البيئية، فقالت: "معظم المستهلكين لا يلقون بالًا للمادة المصنوع منها الجهاز، ويركزون فقط على الأداء أو السعر، وهذه غلطة شائعة قد تُكلفهم غاليًا على المدى الطويل."
العديد من المنظمات بدأت بالفعل في التحرك:
الاتحاد الأوروبي فرض قيودًا صارمة على استخدام BPA في الأجهزة المنزلية منذ 2022
هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بدأت في إعادة تقييم حدود الاستخدام الآمن للمواد البلاستيكية في الأدوات المنزلية
هيئات الجودة في اليابان وكندا تطلب حالياً اختبارات دقيقة لمواد تصنيع ماكينات القهوة
لكن العديد من الدول النامية لا تزال تعتمد على أجهزة رخيصة لا تخضع لتلك المعايير.
ربما لم يخطر في بالك يومًا أن ماكينة القهوة التي تبدأ بها صباحك يوميًا قد تكون مصدرًا خفيًا للمواد المسرطنة، لكن الحقيقة أن الاهتمام بنوعية المواد التي تلامس طعامنا ومشروباتنا لم يعد رفاهية، بل ضرورة لحماية صحتنا وصحة أسرنا.
اختيار ماكينة آمنة هو قرار مهم لا يقل عن اختيار نوع الطعام نفسه. والوعي بهذه التفاصيل الصغيرة قد يكون الفارق بين نمط حياة صحي وآخر مليء بالمخاطر الصامتة.
جميع الحقوق محفوظة 2024 © | MedMarkt